"جاءت إليّ" يفتتح مهرجان برلين السينمائي: فيلمٌ عادي في بداية دورة عادية

17 فبراير 2023
تؤدي آن هاثاواي وبيتر دينكلَدج دور البطولة في فيلم ريبيكا ميلر (إدارة المهرجان)
+ الخط -

افتتحت، مساء أمس الخميس، الدورة الـ73 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، والتي تستمر حتّى 26 فبراير/ شباط الحالي.

وبعد حفل الافتتاح، الذي أقيم في "قصر المهرجان" في ساحة مارلين ديتريش، في قلب العاصمة الألمانية، عُرض الفيلم الأميركي "جاءت إليّ" (She Came to Me)، للممثلة وكاتبة السيناريو والمخرجة الأميركية ريبيكا ميلر (1962). 

وفي سابقة جديدة، عرض الفيلم الافتتاحي "جاءت إليّ"، يوم الأربعاء الماضي في 15 فبراير، أيّ قبل يومٍ واحدٍ من موعده، في 8 عروض صحافية دفعة واحدة، بخلاف عروض صحافية أخرى، صباح يوم الافتتاح، قبل ساعات من العرض الرسمي في المساء. في الماضي، كان العرض الصحافي لفيلم الافتتاح يسبق العرض الرسمي بساعات قليلة فقط، يوم الافتتاح. أمر خالفه المهرجان هذا العام، ويُمكن تفسيره بأنّ الإدارة مضطرّة إلى ذلك، لأنّها لم تجد بديلاً له.

عادة، يُقام عرض الافتتاح، والعروض الصحافية الأخرى، في قاعات مُجمَّع "سينيماكس"، التي تقلّصت طاقتها الاستيعابية إلى النصف، بعد عمليات ترميم واسعة للمُجمَّع السينمائي، حصلت أخيراً، ترتّب عليها استبدال المقاعد العادية بأخرى ضخمة، ممتدة، بطابع السرير، ما استلزم هدر مساحات لا يُستهان بها منها. وهذا أدّى إلى تراجع عدد المُشاهدين في القاعات الـ14 إلى النصف، تقريباً، أو أقلّ من النصف بقليل.

فيلم افتتاح الـ"برليناله الـ73" لم يأتِ بجديد، في المستويات كلّها، إذْ ليست المرة الأولى التي يُفتَتح فيها المهرجان، أقلّه في الأعوام الـ10 الأخيرة، بفيلم أميركي، أو لمخرجة. كما أنّها ليست المرة الأولى أيضاً التي يكون فيها فيلم الافتتاح دون المستوى، أو عادياً، أو يُنسى، حبكةً وإخراجاً وفكراً وكوميديا، ما يؤهّله، وبقوة، لصفة "فيلم افتتاح"، على غرار المهرجانات الكبرى المماثلة، خاصة في الأعوام الأخيرة. باستثناء أنّ "جاءت إليّ" ليس من إنتاج أكبر استوديوهات هوليوود، أو شركات ضخمة مشهورة، أو منصات بثّ، أو يحتشد بنجوم ونجمات صفٍّ أول، تجذب إطلالاتهم الحضور الجماهيري، والتغطية الإعلامية المُكثّفة. هذا يفتقر إليه المهرجان، بشدّة، بعد سنتين عجفاوان، بسبب كورونا وتداعياتها.

تيمة الفنان الموهوب، الذي يعاني ضغوطاً فنية ونفسية وعاطفية وحياتية، وأزمة حاكمة في الخلق، والإبداع والإلهام، مطروحة كثيراً. عولجت سينمائياً بمستويات مختلفة، حتى باتت مُستهلَكة. في جديدها، حاولت ريبيكا ميلر، قدر استطاعتها، تقديم هذه التيمة بطريقة مُبتكرة بعض الشيء، عبر خليطٍ، قوامه الأساسي الرومانسي، ويجمع النفسي والكوميدي والاجتماعي والأوبرالي. ستيفن (بيتر دينكلَدج) مؤلّف أوبرالي موهوب. يُعاني صعوبة في الكتابة والإبداع، ويفتقر إلى الإلهام والثقة. كما يعاني مشاكل واضطرابات نفسية. تحاول زوجته، باتريسيا (آن هاثاواي)، طبيبته النفسية السابقة، مُعالجة هذا كلّه بصبرٍ وإخلاص وتقدير له ولموهبته.

إلّا أنّ باتريسيا نفسها تُعاني، بدورها، مشاكل نفسية وحياتية، ليست أقلّ من تلك التي يُعانيها ستيفن. أبسطها يتعلّق بهوس الترتيب والنظافة والتطهير. تركيبتها تدفعها، تدريجياً، إلى الجنوح نحو التديّن، ثمّ اللجوء إلى الرهبنة، في النهاية، وربما اعتزال الحياة إلى الأبد، كاختيار ذاتي مريح، يحلّ المشاكل المُتراكمة، خاصةً بعد اكتشافها مغامرة جنسية غرامية لستيفن، ذات يومٍ، مع كاترينا (ماريسا تومَي)، المرأة المفعمة بالجنون والحيوية والرغبة وحبّ الحياة والبحر، وقيادة قاطرتها البحرية العتيقة. مُغامَرة ألهمت ستيفن عمله الأوبرالي الجديد الناجح، رغم شعوره بالندم والألم. وأيضاً، رغبته في الهروب، ونسيان ما حدث، وهذا ينجح فيه لبعض الوقت، قبل انقلاب الأمور، وسيرها عكس إرادته.

يلجأ ستيفن، ذات يومٍ، إلى كاترينا، لتهريب ابنه جوليان (أفَن أليسون) خارج نيويورك، حيث تدور الأحداث، كي لا يُسجن، وفقاً للقانون، لمُمارسته الجنس مع حبيبته تيريزا (هارلو جين)، ابنة الـ16 عاماً، بعد اكتشاف والدها المُتعصّب، تراي (براين دارسي جيمس) العلاقة بينهما، التي ليست علاقة حبّ عابر بين مراهقين، إذْ تطوّرت إلى أمور أخرى، كشفتها له زوجته ماغدالينا (جوانا كيوليغ)، التي تصادف عملها كعاملة منزل لدى عائلة ستيفن. يكون الحلّ تهريب الحبيبين، على متن القاطرة البحرية لكاترينا، وعقد زواجهما في ولاية أخرى، تسمح بالزواج في هذه السنّ، ويرافقهما ستيفن وكلبه الحبيب وكاترينا. هذا يُلهمه قصة جديدة، ينسج منها أوبرا أخرى ناجحة.

المُراهقون الصغار ربّما يكونون فعلاً الأكثر دراية بالحبّ، والأصدق والأوضح، والأكثر وعياً وتحقيقاً للتوازن النفسي والحياتي، مُقارنةً بالبالغين حولهم، المتخبّطين في عوالمهم المليئة بالمعاصي، والهواجس والاضطرابات النفسية والحياتية، والمحكومين بإداناتهم المُسبقة للآخرين.

في هذا الإطار البسيط، وعبر قصص حبّ متعدّدة الأجيال، ذات نهايات سعيدة تُرضي جميع الأطراف، وشخصيات قليلة غير مُركّبة، جاءت محاولة ريبيكا ميلر في إطار عادي، ومقبول إلى حدّ كبير، نظراً إلى سهولة ما أنجزته، وبساطته وصدقه، وقبل كلّ شيء، اختيارها فريق تمثيل جيّداً، أفراده منسجمون مع بعضهم البعض.

المساهمون