ثناء دبسي.. الأم السورية بين زمنين

22 فبراير 2024
رحلت ثناء دبسي عن 83 عاماً (فيسبوك)
+ الخط -

لا يمكن اختصار تاريخ الممثلة الراحلة ثناء دبسي (1941 ــ 2024) بأسطر قليلة، ولا يمكن بالطبع إغفال سيرتها التي كانت شاهدة على وضع حجر الأساس للدراما السورية، أو تجاهل تجربتها المسرحية، مع مجموعة من الفنانين الذين ساهموا في صناعة فنّ تمثيلي على المسرح، سرعان ما انتقل إلى الشاشة الصغيرة.

تكمن شخصية ثناء دبسي، التي ربما لا تنفصل عن مجمل أدوارها في الدراما، في تفاصيل نظرتها للكاميرا وإتقان رفعتها، وهو أمر يمزج بين الحنان والعاطفة والمكابرة في لحظة واحدة.

رغم وفرة الأعمال التي شاركت فيها ثناء دبسي في الدراما التلفزيونية، لا بد من التوقف بين زمنين: الأول دورها في مسلسل "زمن العار" (2009، للكاتب حسن سامي يوسف، وإخراج رشا شربتجي). فرغم تقليدية القصة، استطاع يوسف القفز وراء سيناريو وأسس لكلاسيكيات الدراما السورية من خلال مشاركة ثناء دبسي (أم منذر)، وزوجها في المسلسل، الممثل الراحل خالد تاجا. وللغرض عينه اختارت المخرجة رشا شربتجي دبسي الأم المُقعدة في السرير بسبب أمراضها المزمنة، لكنها ورغم وجعها وصمتها كانت تدرك جيداً أن عائلتها ليست بخير، وهي تدفع ثمن تسلط الأب على أبنائه، شأن معظم عائلات الطبقة المتوسطة، إلى جانب شعورها بالذنب والمسؤولية بسبب مُصابها، وتقصيرها تجاه عائلتها.

لحلقات طويلة كان مشهد واحد لثناء دبسي في "زمن العار" كافياً للقول إنّها المحور، في حين أن التركيز كان على "بثينة" (سلاف معمار) ابنتها التي تركت كل شيء، وجلست في المنزل لخدمة والدتها المريضة، ومتطلبات العائلة اليومية.

تبارزت ثناء دبسي الأم في "زمن العار" مع خالد تاجا، ومشهد واحد يبقى عالقًا في الذاكرة لدى اكتشاف أم منذر خيانة زوجها لها، ومكابراتها على الآلام المضاعفة التي تصيب المرأة في مثل هذا الظرف.

مشاهد أخرى لا يمكن أن تغيب عن ذاكرة المتابعين، بينها شخصية الأم في مسلسل "ترجمان الأشواق" (2019، إخراج محمد عبد العزيز). المسلسل يروي حكايات اجتماعية لدمشق ما بعد الثورة، ويحاول تلوين وجه الحقيقة متخذاً من مسألة خطف طالبة جامعية محوراً لقصة تطول، تلعب ضمنها "أم نجيب" (دبسي) دوراً أساسياً. الجدة التي عليها التماسك أمام هول الأب المفجوع والعائد من السفر لرؤية ابنته.

عشر سنوات بين "أم منذر" في "زمن العار" ودور "أم نجيب" في "ترجمان الأشواق". عشر سنوات تغيّرت فيها دمشق، وتغيّرت فيها سورية. جسدت دبسي قصص امرأة تدرك جيداً كيف تحرك رأسها وتقرأ مفرداتها، وتخزّن الخبز ولا تنكسر أبداً، وهو ما طبع صورتها في أذهان المتابعين. هؤلاء الذين حاولوا طيلة العقود الماضية اكتشاف ما تخبئه لهم تلك السيدة التي تبهر المشاهد بحكايات وحركات وجهها الذي ما عرف يومًا أن ينشغل إلا خدمة للأدوار التي تبنتها.

المساهمون