ثلاثة وثائقيات في "أفلامنا": ماضٍ يُستعاد ووقائع تُروى

14 سبتمبر 2024
كوثر بن هنية في لقطة من "شلاّط تونس" (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **برنامج "أفلامنا" السينمائي**: منصة لبنانية تعرض أفلاماً عربية مختارة من فترات زمنية مختلفة، تميزت بخروجها عن الإنتاج التقليدي واقترابها من "سينما المؤلف"، مع تناول قضايا جماعية من خلال حكايات فردية.

- **تنوع الأفلام المعروضة**: الأفلام تتنوع بين الروائية والوثائقية، وغالباً ما تدمج بين النوعين، مما يخلق تجربة سينمائية فريدة حيث تصبح الحدود بين الواقع والخيال غير واضحة.

- **أمثلة على الأفلام المعروضة**: "شلّاط تونس"، "رسائل من الكويت"، و"عندما يأتي المساء"، تقدم رؤى عميقة ومعقدة عن المجتمعات العربية وتاريخها.

تستمرّ المنصّة اللبنانية "أفلامنا" (aflamuna.online) في برنامجٍ سينمائيّ يكاد يكون الأبرز في نشاطاتها: عرض أفلامٍ عربية، مختارة من أعوامٍ متفرّقة، لكنّها تشترك بخروجها على الإنتاج التقليدي، وبالتزامها لغة تقترب كثيراً من "سينما المؤلّف"، التي (سينما المؤلّف) تحتاج إلى نقاشٍ نقديّ يتناول مفرداتها وأطرها واشتغالاتها في العالم العربي.

مشتركٌ ثانٍ بين الأفلام المختارة، عامةً: تنقيبها في همومٍ ومسائل جماعية، عبر حكاياتٍ فردية، وبعض تلك الحكايات ذاتي، أي أنّ للمخرج/المخرجة حضوراً أساسياً في إنجاز الفيلم، ينعكس في أنّ النصّ السينمائي يروي فصولاً من سيرته أو اختباراته أو معارفه، محاولاً عبرها قراءة جماعةٍ أو تاريخٍ أو راهنٍ.

والأفلام، روائية أو وثائقية، غير ملتزمةٍ كلّها أدوات أحد هذين النوعين، إذْ تنعدم غالباً الحدود بينهما في فيلمٍ واحد، إلى حدٍّ أنّ التوثيق يُروى بنبرة المتخيّل، وأنّ المساحة البصرية المعطاة للخيال (على الرغم من أنّ معظم الخيال هذا منبثقٌ من وقائع وحقائق ومُعاش ومحسوسٌ به) تجعله (الخيال) أشبه بوثيقة سينمائية تحفظ المرويّ في ذاكرة، وتصون محتوياته من كل نسيان.

هذا يتّضح مجدّداً في ثلاثة أفلام تُعرض حالياً: "شلّاط تونس" (2014، 90 د.) للتونسية كوثر بن هنيّة (لغاية 18 سبتمبر/أيلول 2024)، و"رسائل من الكويت" (2013، 50 دقيقة) للفرنسي كريم غوري (لغاية 25 سبتمبر/أيلول الجاري)، و"عندما يأتي المساء" (2000، 68 د.) للّبناني محمد سويد (بين 19 سبتمبر/أيلول و2 أكتوبر/تشرين الأول 2024).

قصة "شلاط تونس" مستلّة من وقائع تشهدها تونس قبل أعوام: مواطن شابٌ "يختار" نساءً و"يشلطهنّ" (يشطبهنّ) بسكين. القصة حقيقية، لكنّ الفيلم يضع مُشاهده أمام كَمٍّ من الالتباسات الجميلة، التي تؤكّد أولوية الاهتمام بالصورة السينمائية، وكيفية المعالجة الدرامية، وآلية بناء المُنجز السينمائي كلّه. أولويةٌ تستدعي متعة مُشاهَدَة، وتطرح أسئلة تتعلّق بالواجب والأخلاق، وبموقع المرأة ونظرة الرجل إليها، وبالعلاقات الإنسانية القائمة بين التونسيين، أو ربما بانعدامها. أولوية تجعل المزيج الفني البديع بين التوثيقي والمتخيّل مدخلاً إلى عالم سينمائي مُتقَن الصُنعة، ومُشيَّد على مفردات الصنيع السينمائي. فاللغة المُستخدَمة نابعة من المزيج نفسه: التوثيقي مُرادف بصري للروائي. أو بالأحرى: التوثيقيّ عماد الفيلم، ونواة جوهره. التوثيقي مصنوع بلغة الروائي المتخيّل أيضاً. حَمْل الكاميرا، والذهاب بها في الاتجاهات كلّها، يُشكّلان نمطاً معروفاً في صنع الصورة السينمائية، ويتحوّلان إلى مرايا صاخبة بفضحها مبطَّناً في العقل والبيئة والسلوك، وعَفَناً كامناً في شرايين المجتمع وناسه، أو بعضهم على الأقلّ.

بحسب التعريف الرسمي لـ"أفلامنا" به، يجوب "الشلّاط" شوارع تونس العاصمة. إنّه رجلٌ مسلّح بشفرة حادّة، يقود درّاجة ناريّة، و"يقطع" أرداف النساء. مُجرّد ذكر اسمه يثير رعباً وانبهاراً على حدّ سواء. الشلط سكين حاد، "فهل هو مجرم أُحاديّ، أم أسطورة حضريّة، أم نتاج جماعة سياسيّة أو مجموعة دينية متعصبّة؟ يُضيف التعريف أنّه، في أعقاب الربيع العربي، وبعد مرور عشر سنوات، تشرع مخرجة شابّة في التحقيق، عازمة على كشف الهويّة الحقيقية لـ"شلًاط تونس"، وما يلفّه من غموض.

أمّا "رسائل من الكويت"، المُصوّر في دولة الكويت، فيعود إلى ماضٍ فرديّ، ويكشف مشاعر وحكايات. فيه، يمزج كريم غوري بين سيرته الذاتية وسيرة والده، العامل في الكويت أعواماً طويلة، تاركاً عائلته في فرنسا "لأسباب شخصية". في القصّة جانبٌ عاطفي حميم، إذْ يُعبّر غوري (والده مصري ووالدته فرنسية) عن مشاعره في تلك السنين الضائعة، التي لم يعرف فيها شيئاً عن أبيه، "مُسلّطاً الضوء على معنى وقيمة التراث العائلي بين ثقافتين مختلفتين".

في تعريف "أفلامنا" به، يرد التالي: "يسعى صانع أفلام أوروبيّ إلى بناء صلة مع والده العربيّ، الذي لم يعرفه قط، بعد مرور أكثر من عقدين على وفاته. ينطلق من باريس إلى مدينة الكويت، متأمّلاً في رسائل كتبها والده، وشريط قديم سجّله، ليخوض رحلة استكشاف أجزاء من ماضٍ عابر ومستقبلٍ مُقلق ينتظره".

من جهته، يكشف "عندما يأتي المساء" تفاصيل مختلفة من "حكاية" شبّان لبنانيّين انضمّوا عام 1975 إلى "الكتيبة الطالبية"، التابعة لمنظمة "فتح" الفلسطينيّة، وشاركوا في الحرب الأهليّة اللبنانية. بعضهم قُتل، وبعضهم غادر البلد، كما غادرت القوات المسلّحة الفلسطينيّة لبنان في الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. ثم حُلّت "كتيبة الطلاب"، وأصبح المحاربون السابقون الشباب كباراً في السنّ، يُداوون وحدتهم بالكحول والشعر والأغاني.

المساهمون