يقال إن المصائب لا تأتي فرادى، وهذا الحال ينطبق هذه الأيام على منصة تيك توك التي يستخدمها أكثر من مليار شخص حول العالم، معظمهم من أبناء الجيل زِد إليهم الذين تراوح أعمارهم بين 11 و26 عاماً. هذه المنصة المملوكة لشركة بايتدانس الصينية تواجه تدقيقاً مشدداً من السلطات الغربية التي تتهمها بتهديد أمنها القومي، من خلال تعاونها المزعوم مع بكين وتسليمها بيانات المستخدمين. الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية والحكومات الكندية والأسترالية وحلف شمال الأطلسي (ناتو) منعت موظفيها أخيراً من استخدام المنصة على أجهزتهم المخصصة للعمل. كما اتخذ البرلمان النرويجي تدبيراً مشابهاً العام الماضي، شأنه في ذلك شأن الجيش السويدي. ووضع المنصة في الولايات المتحدة تحديداً هو الأكثر خطراً، إذ أنذرت إدارة جو بايدن، في مارس/ آذار الماضي، الشركة بأن تتخلى عن ملكيتها الصينية وإلا فإنها ستواجه حظراً تاماً.
وسيكون الحظر، إذا طبّق، خطوة غير مسبوقة بحق شركة إعلامية تتّخذها الحكومة الأميركية، وسيؤدي إلى قطع 150 مليون مستخدم شهرياً في البلاد عن التطبيق الذي أصبح مصدر الترفيه الأكثر مشاهدة بعد "نتفليكس"، وتحديداً بين الشباب.
في الوقت نفسه، المنصة متهمة بالفشل في حماية مستخدميها من الأطفال. وفرضت الهيئة الناظمة للقطاع الرقمي في المملكة المتحدة، الثلاثاء، على منصة تيك توك غرامة قيمتها 12.7 مليون جنيه إسترليني (15.63 مليون دولار)، بتهمة الاستخدام "غير القانوني" لبيانات شخصية عائدة لأطفال. واعتبرت الهيئة، في بيان لها، أن "تيك توك" سمحت لما يصل إلى مليون وأربعمائة ألف طفل في المملكة المتحدة، دون سن الـ13، بفتح حساب عام 2020، خلافاً لقواعدها الرسمية، لافتة أيضاً إلى استخدام بياناتهم الخاصة من دون موافقة أهلهم. وكشف تحقيق الهيئة البريطانية أن "تيك توك" لم تجرِ "عمليات التحقق المناسبة للتحقق من حسابات الأطفال" دون السن القانونية و"إلغائها"، فيما أبدى بعض المديرين مخاوف عبر القنوات الداخلية في هذا الشأن. وأشار المفوض البريطاني لشؤون المعلومات جون إدواردز، في تصريحات أوردها البيان، إلى أنّ "ثمة قوانين سارية في بريطانيا للتأكد من أن أطفالنا في أمان في العالم الرقمي"، و"تيك توك لم تحترمها".
وبعد الإعلان عن الغرامة، اتُهم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بالتحرك ببطء شديد في اتخاذ إجراءات ضد "تيك توك"، ووصف بأنه "ساذج لافتراضه أن المنصة يمكنها تنظيم نفسها بنفسها".
لا يحظر قانون حماية البيانات في المملكة المتحدة استخدام الأطفال للإنترنت، لكنه يتطلب من المنصات التي تستخدم البيانات الشخصية للمستخدمين من هذه الفئة العمرية الحصول على موافقة والديهم أو مقدمي الرعاية لهم. تحظر "تيك توك" نفسها على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 13 عاماً إنشاء حسابات.
اتُهم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بالتحرك ببطء شديد في اتخاذ إجراءات ضد "تيك توك"
من جهة ثانية، قال متحدث باسم "تيك توك" في بيان، الثلاثاء، إن "المنصة متاحة للمستخدمين الذين تتجاوز أعمارهم 13 عاماً"، وأضاف: "نحن نستثمر بكثافة للمساعدة في إبعاد الأطفال دون سن 13 عاماً عن المنصة، ويعمل فريق السلامة المكون من 40 ألف شخص لدينا على مدار الساعة للمساعدة في الحفاظ على سلامة مجتمعنا".
يُسمح لـ"تيك توك" بالاستئناف من أجل خفض قيمة الغرامة، ولديها 28 يوماً. لدى الهيئة التنظيمية مهلة أقصاها 16 أسبوعاً، بدءاً بإصدار إشعار الغرامة المقترحة وحتى حكمها النهائي. تعود الغرامات التي تتلقاها الهيئة إلى الخزانة البريطانية.
يذكر أن 23 مليون شخص يستخدمون "تيك توك" في المملكة المتحدة.
بعد يوم من الإعلان عن الغرامة البريطانية بحق "تيك توك"، رفعت مجموعة برتغالية لحماية المستهلكين دعوى قضائية ضد المنصة، وزعمت أنها تسمح للأطفال دون 13 عاماً بإنشاء حسابات من دون الحصول على موافقة الوالدين ومن دون أن تتخذ أي إجراءات لحمايتهم.
وأشارت المجموعة غير الحكومية، واسمها "يوس أومنيبوس" Ius Omnibus، في بيان، الأربعاء، إلى أن "تيك توك تتربح من الأطفال دون 13 عاماً"، وطلبت من محكمة في لشبونة "وضع حد لهذا السلوك غير القانوني" والأمر بتعويض المتضررين مادياً، وزعمت أن المنصة تجمع بيانات الأطفال وتعالجها، في انتهاك لقانون الخصوصية البرتغالي وقانون حماية البيانات الأوروبي، وزعمت أيضاً أن المنصة لا تطبق فعلاً سياساتها المتعلقة بتحديد السن المسموح لإنشاء حسابات.
وردّت المنصة على هذه الدعوى، فأكدت لصحيفة بابليكو البرتغالية أن "حماية مستخدميها وبياناتهم على رأس أولوياتها".
المجموعة نفسها رفعت دعوى قضائية ثانية على "تيك توك"، زعمت فيها أن المستخدمين فوق 13 عاماً هم أيضاً ضحايا "الممارسات المضللة"، إذ تجمع بيانات شخصية محددة منهم من دون موافقتهم.
هذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها مخاوف بشأن تأثير "تيك توك" على الأطفال. عام 2019، وافقت المنصة على دفع 5.7 ملايين دولار لتسوية اتهامات وجهتها إليها لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية بانتهاك قواعد حماية خصوصية الأطفال على شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة.
دعوى قضائية رفعت ضدّ "تيك توك" من أسرتي طفلتين أميركيتين توفيتا بعد مشاركتهما في تحدي التعتيم
منذ ذلك الحين، وضع المشرعون في الولايات المتحدة وأوروبا قواعد جديدة لمحاولة تعزيز حماية الأطفال عبر الإنترنت. في مارس/ آذار، أقرت ولاية يوتا الأميركية قانوناً شاملاً يحظر على منصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك" و"إنستغرام" السماح للقاصرين بإنشاء حسابات من دون موافقة الوالدين. والخريف الماضي، أصدرت ولاية كاليفورنيا قانوناً يتطلب من وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو والتطبيقات الأخرى اعتماد أقصى إعدادات الخصوصية وإيقاف تشغيل الميزات التي يحتمل أن تكون محفوفة بالأخطار، في حسابات القاصرين.
وكانت دعوى قضائية قد رفعت ضدّ "تيك توك" من أسرتي طفلتين أميركيتين توفيتا بعد مشاركتهما في تحدي التعتيم (blackout challenge)، الذي يشجّع المستخدم على خنق نفسه حتى الإغماء. واتهمت الدعوى، العام الماضي، خوارزمية "تيك توك" بأنها تنشر "عن قصد وبشكل متكرر" مقاطع فيديو عن تحدي التعتيم.
وفي هذا السياق، كشف تقرير نشر في ديسمبر/ كانون الأول 2022، أن خوارزميات منصة تيك توك تروج مقاطع مصورة حول إيذاء الذات واضطرابات الأكل للمراهقين المعرضين للخطر. أنشأ باحثون في مركز مكافحة الكراهية الرقمية غير الربحي حسابات "تيك توك" لشخصيات مراهقة خيالية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا، ثم قاموا "بالإعجاب" بمقاطع مصورة حول إيذاء النفس واضطرابات الأكل، لمعرفة كيفية استجابة خوارزمية المنصة. في غضون دقائق، بدأت المنصة توصي بمقاطع مصورة حول فقدان الوزن وإيذاء النفس، بما في ذلك تلك التي تعرض صوراً لنماذج وأنواع أجسام مثالية، وصوراً لشفرات الحلاقة ومناقشات حول الانتحار. عندما أنشأ الباحثون حسابات بأسماء مستخدمين تشير إلى قابلية معينة للتأثر باضطرابات الأكل - الأسماء التي تضمنت "فقدان الوزن" على سبيل المثال - غذيت الحسابات بمحتوى أكثر ضرراً.
تعمل خوارزميات الوسائط الاجتماعية عبر تحديد الموضوعات والمحتوى الذي يثير اهتمام المستخدم، ويرسل بعد ذلك كطريقة لزيادة وقته على الموقع. لكن منتقدي وسائل التواصل الاجتماعي يقولون إن الخوارزميات نفسها التي تروج محتوى عن فريق رياضي معين، أو هواية أو رقصة شائعة جداً، يمكن أن تدفع المستخدمين إلى تجربة صعبة مع محتوى ضار. وهذه مشكلة تحديداً للمراهقين والأطفال الذين يميلون إلى قضاء المزيد من الوقت على الإنترنت ويكونون أكثر عرضة للتنمر، أو ضغط الأقران، أو المحتوى السلبي حول اضطرابات الأكل، أو الانتحار.