بدأت إرهاصات النهاية. الاتحاد السوفييتي الذي استمر نحو 70 عاماً ونيّف يلفظ أنفاسه الأخيرة. بالتزامن مع نهاية القطب السوفييتي، وفي خضم شعارات الرئيس الأخير ميخائيل غورباتشوف المنادية بإعادة هيكلة الدولة (بيروسترويكا) والشفافية (غلاسنوست)، يأتي المبرمج السوفييتي أليكسي باجيتنوف (الممثل نيكيتا يفريموف) بقصة أكثر متعة تدغدغ العاطفة الغربية التي تولي اهتماماً لقصص النجاح الفردية.
صمّم باجيتنوف لعبة الفيديو "تيترس" Tetris التي سيجتاز عن طريقها ما أسماه ونستون تشرشل "الستار الحديدي"، نحو عالم آخر أكثر حداثةً وديمقراطية من ذاك الذي طمح غورباتشوف إلى بنائه.
يعود الفضل الأكبر للمبرمج الأميركي هينك روجرز (تارون إيغرتون) الذي سيخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر إلى الاتحاد السوفييتي، ليحرر اللعبة ومصممها من الحدود الجغرافية والجماهيرية للدولة الشيوعية.
فيلم "تيترس" الذي صدر أخيراً مُقتبس عن قصة حقيقية للانتشار العالمي الذي حققته اللعبة البدائية ذات السحر الغامض الذي يجعل من يلعبها يبدد ساعات من وقته عليها. تدور أحداث الفيلم عام 1988، حين صمم باجيتنوف، على سبيل الترفيه، لعبة على الكومبيوتر، وركّب اسمها من كلمتي "تترا" وتعني أربعة باليونانية، و"تنس" وهي لعبته المفضلة. لم يكن يعلم حينها أنها ستحقق هذا النجاح المبهر، لا سيما مع احتكار شركة إيلورغ الحكومية السوفييتية لها.
العائق الكبير الذي على روجرز تجاوزه هو المرور عبر الحكومة السوفييتية للحصول على الترخيص لبيع "تيترس"، في الوقت الذي لم تعد فيه فكرة دخول أميركي إلى الاتحاد السوفييتي تثير الرعب الستاليني نفسه. إلّا أن غورباتشوف الذي غازل الغرب بأفكاره التجديدية لم يسمح للشركات الرأسمالية بالاستثمار في الدول الشيوعية بسهولة. لكن الأمر لا يلغي تسلل بعضها على النحو الذي عرضه فيلم "تيترس".
المبرمج ومسوّق الألعاب الأميركي، مدفوعاً بفقر معرفته عن النظام الشيوعي السوفييتي، يبدو كأنه "ماريو" في لعبة الفيديو "سوبر ماريو لاند". يدخل الاتحاد السوفييتي بتأشيرة سياحية. لا يتردد كثيراً أمام المقامرة على كل ما يملك مقابل الحصول على ترخيص "تيترس" في العالم لصالح شركة نينتندو. وفي زيارته الكئيبة، يعاين بنفسه مدى تعقد ما هو مقبل على فعله، لا سيما مع دخول شركة ميرورسوفت في المنافسة أيضاً للحصول على الترخيص.
يقدم الفيلم تمثيلاً كاريكاتيرياً لشخصية غورباتشوف (ماثيو مارش). ببذلته الضيقة وسط جماهير المصفقين، يبدو الأمين العام الأخير للاتحاد السوفييتي شخصية هزيلة منسلخة عن الواقع، لا سيما في علاقته مع الرأسمالية الغربية، المتمثلة بالفيلم برجل الأعمال وقطب الإعلام روبرت ماكسويل (روجر علّام) مدير ميرورسوفت. وعلى الرغم من أن قصة اللعبة تبدو ثانوية على الصعيد الدولي، فإن غورباتشوف يعتبرها قضية خطيرة مهددة لاستقرار البلاد، فيتبلغ في الاحتفال السبعين بعيد الثورة البلشفية بأن اللعبة على وشك اجتياز الحدود السوفييتية، الأمر الذي عكّر هدوء خطابه الرسمي أمام الحشود المتجمهرة.
ينحرف الفيلم عن الأفلام التي تصوّر الحرب الباردة، فهو ليس سياسياً، إلا أنه بضرورة الظرف العالمي لا يحيّد السياسة، وليس تجسسياً، على الرغم من الحضور القوي لجهاز الاستخبارات السوفييتي فيه. هو فيلم مغامرة وسيرة ذاتية لا يفتقر إلى الكوميديا. قصة مغرية لتحويلها إلى فيلم هوليوودي، لا سيما أنها تصب في صالح الرواية الأميركية عن الحرب الباردة، عن طريق تصوير روسيا باللون الرمادي كمكان جليدي، لأبنائها صفاتٌ من صقيع بلادهم يفتقر تعاملهم إلى اللطف، وكثيراََ ما يشتبه بأنهم عملاء لاستخبارات بلادهم.
في معرض انتقاد الفيلم للنظام الشيوعي، ينتقد بشكل أو بآخر النظام الرأسمالي الذي لا يتردد الفرد فيه أن يعرض حياته لأشد الأخطار مقابل جني الأرباح. روجرز كان على شفا حفرة من أن يفقد وزوجته عملهما ومنزلهما نتيجة رهانه المتهور. صحيح أن الفيلم استند إلى قصة حقيقية، إلا أنه يخلط الواقع بالخيال. بإمكاننا ملاحظة الشطحات الدرامية والبهرجة الهوليودية في القصة، سيما وأن المخرج جون إس. بيرد والكاتب نوح بينك أضافا بعض لمسات الأكشن، ليغدو الفيلم محاكياً لألعاب الفيديو، حيث بناء الفيلم السردي يتعامل مع مراحل الفيلم الثلاث (البداية، والذروة، والنهاية) كمراحل يجتازها البطل الرئيسي، أو اللاعب الأول كما يسمى في الفيلم، بين طوكيو ولوس أنجليس وموسكو.
يقدم الفيلم القطبين السوفييتي والأميركي كعالمين لا يمكن أن يلتقيا، فعُرض لقاء روجرز وباجيتنوف على أنه لقاء القطبين الذي لم يكن بعيداً زمنياً عن انهيار الاتحاد، إذ تنتهي أحداث الفيلم مع تفكك الاتحاد واستقالة غورباتشوف عام 1991 وانتقال باجيتنوف للعيش في الولايات المتحدة وتأسيس شركة تيترس مع صديقه الأميركي عام 1996.
يحقن كل من بيرد وبينك التشويق في جسد السرد عن طريق التوابل الخاصة المتمثلة بالمبالغة الدرامية، وموسيقى "تيترس" المألوفة التي تستدعي حنين المشاهد، والتي ضبطت الإيقاع السريع والفوضوي للفيلم، بالإضافة إلى الغرافيك البدائي المحاكي لألعاب الفيديو الكلاسيكية التي عرفناها عن طريق "أتاري" وجهاز الألعاب المحمول الثوري "غيمبوي" الذي أطلقته شركة نينتندو وثبتت عليه لعبة "تيترس"، لكونها تختلف عن بقية ألعاب الفيديو بأنها تستهدف مختلف الأعمار.