فقدت الساحة الثقافية التونسية، مساء أمس الثلاثاء، الإعلامية زينب فرحات بعد معاناة مع مرض السرطان عن عمر يتجاوز الستين عاماً.
زينب فرحات هي "مفرد بصيغة الجمع"، حيث جمعت بين العمل الإعلامي والنشاط المسرحي والنضال النسوي. وكانت قد فقدت والدها المدرس والنقابي الصحبي فرحات سنة 1963 في أحد السجون التونسية، بعد اتهامه من قبل الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة بالمشاركة في محاولة الانقلاب التي عرفتها تونس سنة 1962. حدث كان له الوقع الخاص في نفس الطفلة زينب التي قررت منذ ذلك الحدث عدم الانتماء إلى حزب سياسي والحفاظ على استقلاليتها وحريتها دون الاستقالة من الشأن العام ومن مشاغل الوطن الذي كان يرزح لمدة عقود تحت دكتاتورية بورقيبة ثم زين العابدين بن علي.
وكانت صوتاً متحرراً من كل القيود، فكانت تدافع عن حقوق المرأة التونسية في المحافل المحلية والدولية، وواحدة من أبرز الناشطات في جمعية "النساء الديمقراطيات" التي كانت شقيقتها الراحلة صفية فرحات واحدة من مؤسساتها. و"النساء الديمقراطيات" جمعية حداثية تنادي بحرية المرأة وبحرية التونسيين من الاستبداد، لذلك كثيراً ما كانت تتعرض الناشطات فيها للمضايقات البوليسية والمحاكمات الكيدية.
وزينب فرحات أيضاً إعلامية، حيث درست في معهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، حيث حصلت على الليسانس، وعملت من سنة 1985 حتى حدود سنة 1995 صحافية في صحيفة Le Temps التونسية اليومية الناطقة بالفرنسية، ومراسلة لإحدى القنوات الأجنبية، وكانت مدافعة شرسة عن القضية الفلسطينية. فقد كانت ترتبط بعلاقات كبيرة مع أبرز القيادات الفلسطينية إبان إقامتها في تونس، فكانت من الصديقات للراحل القيادي الفلسطيني أبو إياد، وتستذكر في أحد لقاءاتها الصحافية حالتها عندما أجرت حواراً مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، فقالت إنها كانت مضطربة وخائفة جداً، وهو ما أدركه الزعيم الفلسطيني الذي حاول تهدئتها لتجري حوارها بكل ثقة في النفس.
فرحات كانت أيضاً مسرحية معروفة من خلال إداراتها وزوجها الفنان المسرحي الكبير توفيق الجبالي للفضاء الثقافي التياترو في العاصمة التونسية الذي أسساه سنة 1987، ليتواصل فيه العمل حتى الآن. وهو فضاء كان الملجأ لكل المثقفين التونسيين الذين كانوا يثورون على محاولة السلطة صندقتهم وتسطيح وعيهم، فكان التياترو متنفساً للحرية لهم.
ويكفي أن نذكر المسرحيات التي أنتجها الفضاء، ومن أشهرها مسرحيات "كلام الليل" والاحتفالات السنوية بذكرى الفنان الملتزم الشيخ إمام، في زمن كان فيه غناء الشيخ إمام عيسى من الممنوعات في تونس. لكن زينب فرحات لم تكتفِ بالاحتفال بالذكرى السنوية للفنان، بل أُطلِق نادٍ موسيقي باسمه لا يزال ينشط حتى الآن. فضاء التياترو، ذاكرة الثقافة المناضلة التونسية لسنوات الجمر، كان تعبيراً عن نفس ثوري حرّ تعرض زينب وتوفيق للمضايقة الأمنية بسببه، خاصة أنه احتضن الفنانين إبان الثورة التونسية سنة 2011.
وزينب فرحات قيمة وقامة نسوية تونسية يخلّف رحيلها لوعة لدى كل من عرفها من الإعلاميين والفنانين والناشطات النسويات فى تونس والعالم، حيث اعتبرها الجميع خسارة للساحة الثقافية والإعلامية والحقوقية والنسوية التونسية.