تفاهة الدور

25 نوفمبر 2021
صار أبو ذكوان مندوب الأجهزة الأمنية عند الفنانين (فيسبوك)
+ الخط -

يمثّل نقيب الفنانين السوريين الراحل أخيراً، زهير رمضان (1959 - 2021)، حالة نموذجية تصلح للدراسة الاجتماعية، لفهم طرق إفساد النظام الاستبدادي لمواطنيه الطيبين العاديين، ولا سيما الموهوبين منهم.
يتحدر الممثل الراحل من محافظة اللاذقية، وتحديداً من قرية دم سرخو، التي أصبحت جزءاً من المدينة. انتسب إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرج من قسم التمثيل فيه عام 1983، ليبدأ عملية صعود مهنية وسلطوية، وصلت به إلى مجلس الشعب ورئاسة نقابة الفنانين منذ 2014، حتى وفاته.
يعرف أبناء دفعة زهير رمضان في المعهد، أنه انتقل إلى دمشق من قرية صغيرة، حاملاً نقوداً قليلة وموهبة لا بأس بها، وقلباً طيباً، وشهامة ولهفة أهل الساحل السوري الطيبين. في طريق الصعود، تحولت الشهامة إلى شراء ذمم، وتبدلت لهفة الإغاثة إلى تقديم خدمات، وانقلب المنبت الطائفي إلى استثمار مفيد.
صار أبو ذكوان مندوب الأجهزة الأمنية عند الفنانين، واستطاع تقديم خدمات لمن قصده، ومنهم من دله على سبيل إعفائه من الخدمة العسكرية ودفع بدل الاغتراب، رغم أنه لم يغادر سورية قط.
في عام 2011، وقبل اندلاع الثورة السورية، كان كل ذلك مقبولاً عند معظم الفنانين والفنانات، ومرحبا به، حتى غدا كثير منهم جليساً وضيفاً في استراحات كبار الضباط والمسؤولين، وفي مقدمتهم شقيق الرئيس ماهر الأسد، الذي كان يراعى شؤونهم العامة والخاصة.
لم يكن زهير رمضان وحيداً في لعب هذا الدور الأمني، وليس مجرد أجير رخيص لهذه الأجهزة، ولم يكن عديم الموهبة ولا ضعيفها، بل كان مومناً بحق بما يقول ويعمل، بعدما استطاب آليات النظام وصار جزءاً منه، وهي آليات تقوم على العصبية الطائفية وبناء المصالح، وتقديم الخدمات والزبائنية. ومن هنا كان شعار محازبيه في انتخابات الأخيرة للنقابة: "الوفاء بالوفاء".
حدثني صديق يعمل في مجال الإعلام الفني عاد إلى دمشق، وكان مطلوباً للمراجعة الأمنية؛ فاتصل بأصدقائه من الفنانين للمساعدة؛ فقال له أحدهم بعد مراجعة ملفه إنه لا يستطيع أن يخدمه لأنه مطلوب من الأمن العسكري، فيما هو يمون على أمن الدولة، ناصحا إياه بالاستعانة بفنان آخر حدد له اسمه.
عُرف رمضان واشتهر في العالم العربي بأدواره المتقنة، مثل المختار بيسة في مسلسل "ضيعة ضايعة"، ومدير المخفر أبو جودت في "باب الحارة"، ولكن النصيب الأكبر من الشهرة والانتشار كان مع تصريحاته تجاه زملاء وزميلات خالفوا رأيه السياسي، وتجرؤوا على "النيل من رموز الدولة وقائد الوطن".
فصل رمضان قرابة 200  فنان، وأكثرهم من المعارضين، بحجة عدم دفع اشتراكاتهم المالية، ومنهم حاتم علي وجمال سليمان ومكسيم خليل ومازن الناطور وعبد الحكيم قطيفان وسميح شقير ولويز عبد الكريم ويارا صبري، وحتى الراحلة مي سكاف.
ثم صرح بأنه مستعد لاستقبال أي ممثل معارض ترك البلد ويريد العودة إلى "حضن الوطن"، وأنه مستعد لأخذه باليد إلى مكاتب رؤساء الأفرع الأمنية لتسوية أوضاعه.
يستثني رمضان أولئك الذين ساهموا في "سفك الدم السوري"، أو كانوا "عوناً للأميركان والصهاينة". وبكل الأحوال؛ فهم حفنة قليلة، والوطن أفضل وأكثر انسجاماً من دونهم، ويقدر رمضان عددهم بـ 13 شخصاً على الأكثر، مهدداً إياهم وغيرهم بقطع لسان من يسيء لرموز الدولة السورية.
علمت السلطة رمضان أن يكون صلباً قوياً حتى تجاه الموالين أمثاله؛ فهو يهددهم بالسجن والإبعاد، ومنهم الفنان بسام كوسا وبشار إسماعيل، رادّاً انتقاداتهم إلى الغيرة.
مات النقيب وهو يرى أن مهمة النقابة ومنتسبيها من الفنانين تتمثّل في أنهم "فصيل طليعي ملتزم بقضايا المجتمع، ويساهم في بناء الوطن والإنسان"، حسب شعار آخر مؤتمر سنوي عُقد تحت إشرافه. إنه دور يمثل ذلك الذي تكلمت عنه حنا أرندت، واصفة من عملوا مع النظام النازي بـ "تفاهة الشر".

المساهمون