من جديد، يخرج رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، بتصريحات جديدة أثارت الجدل، وردود أفعال رافضة ومستغربة في آن واحد على مواقع التواصل الاجتماعي. فبعد أن نسب لحكومته تلقيح أكثر من 100 ألف فلسطيني من العاملين في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 قبل أشهر، والذين أشرفت وزارة صحة الاحتلال الإسرائيلي على ذلك بالكامل، صرح اشتية، أمس الإثنين، خلال اجتماعه بممثلي مؤسسات محافظة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة، بأن فلسطين تشهد انخفاضاً كبيراً في نسبة البطالة رغم انتشار وباء كورونا، على خلاف كثير من دول العالم، مدللاً على ذلك بوجود نقص بالأيدي العاملة.
وانهالت المنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي التي تؤكد أن البطالة بلغت أرقاماً قياسية خاصة في صفوف خريجي الجامعات وحملة الشهادات، وأن نقص الأيدي العاملة سببه أن العمال هجروا العمل في مناطق السلطة الفلسطينية إلى المستوطنات والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 بسبب الفارق الكبير في الأجور، والتي قد تصل إلى ثلاثة أضعاف.
الصيدلاني شداد عبد الحق، وجه رسالة لاشتية ودعاه إلى الاسترشاد بالجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الذي يوفر إحصاءات دقيقة منتظمة منها اقتصادية وتتعلق بنسب البطالة، كما دعاه إلى متابعة منصة (المنقّبون) التي تنشر بيانات اقتصادية موثقة.
أما المشرف على المنصة الصحافي المختص بشؤون الاقتصاد محمد خبيصة، فأعاد نشر مقال كان قد نشره الشهر الماضي، على صفحته، حول نسبة البطالة في فلسطين ككل، يفرق بين التعريف الشامل للبطالة، وهو الأقرب ليقدم الواقع، وبين تعريف منقح "مشفّى" صادر عن منظمة العمل الدولية، وكان بعنوان "هل حقاً نسبة البطالة في فلسطين هي 27.3% في الربع الثالث 2021، وفق تقرير الإحصاء الفلسطيني؟". وصل فيه إلى تحليل بأن نسبة البطالة في فلسطين هي 47.2%، وفق التعريف الموسع والمباشر للبطالة، أو 37.1% دون حساب العمال في إسرائيل.
وأضاف خبيصة، "الآن، ممكن يكون قصد رئيس الوزراء أنه لا توجد أيد عاملة في قطاعات فنية ومهنية (بناء، نجارة، ميكانيك، حدادة... إلخ)، وليس خريجي جامعات، لكن في الوقت نفسه هي مأخذ يحسب عليه وعلى من سبقه الذين لم يعالجوا مسألة نزيف الجامعات للخريجين.
كما أبدت عضو الأمانة العامة لاتحاد نقابات عمال فلسطين ومسؤولة ملف المرأة فيه عائشة حموضة استغرابها من تصريح اشتية، مشيرة إلى أن فلسطين صُنفت في المرتبة الأولى في بطالة النساء والمرتبة 44 عالمياً للدول الأكثر غلاء، وفي المرتبة الرابعة عربيًا. وتابعت حموضة، "إن نقص الأيدي العاملة بسبب الانتهاكات العالية تجاه عمالنا وعاملاتنا، استغلال واستبعاد دون رادع، وبسبب عمل الجميع في الداخل المحتل، نظراً للفارق الضخم في الرواتب"، ودعت اشتية إلى "النزول والسماع من عمالنا وعاملاتنا لتعرف مدى القهر والذل الذي يعيشونه وأن معظمهم تحت خط الفقر".
أما المهندس منذر مشاقي، فقال: "إن عدداً كبيراً من المهندسين الفلسطينيين يعملون (عمالاً)، وفي أحسن الأحوال مراقبي عمال، في المستوطنات، وقبل أيام قرأت عن عامل يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، يعمل هو الآخر بمرتبة (عامل) في سوق الداخل المحتل، وهذا هو سر نقص الأيدي العاملة في الضفة، وهذه علامة علة ومرض، وليست علامة صحة"، وختم منشوره بتقديم نصيحة للمسؤولين بأن يسألوا المختصين قبل الحديث في أي قضية.
أما الصحافي أحمد بيتاوي، فهاجم تصريحات اشتية التي اعتبرها "مزيج من استغباء الشعب، مع القليل من دفن الرأس في الرمل، مع الكثير من قلب الحقائق وكأن الجانب الإسرائيلي غير موجود في هذا المشهد"، وفق قوله. وتابع بيتاوي، "طامة كبرى إذا كانت الحكومة تعتقد أن الحل الوحيد لتقليل البطالة في المناطق الفلسطينية هو العمل داخل إسرائيل، لماذا كل هذه الجامعات إذن ولماذا كل هذه الآلاف المؤلفة من الخريجين؟!".
وبعيدًا عن تعليقات المختصين والمتابعين للشأن الاقتصادي، فإن الشاب عمر دوابشة الذي يعمل نجارًا، يوافقهم الرأي، ويقول: "أنا كنجار أبصم بالعشرة على كلام اشتية، أنه لا توجد أيد عاملة بالوطن، ففي مجال النجارة، قد تحتاج جهداً كبيراً للعثور على عامل نجارة محترف"، لكنه استدرك سريعاً "لكن سيادتك هذا ليس بسبب - فهلويتكم- في توفير فرص العمل، فالكل هرب للعمل في الأراضي المحتلة".