شهدت تونس في الفترة الأخيرة تصاعداً كبيراً في الاعتداءات على حرية التعبير، وتحديداً في المجال الفني. تعددت هذه الاعتداءات، لتشمل وجوهاً فنية تونسية معروفة. في الأسبوع الماضي، أعلن مدير مهرجان المنستير الدولي، يافت بن حميدة، إلغاء عرض مسرحية "حسين في بكين" للفنان والممثل المسرحي ونقيب الفنانين السابق مقداد السهيلي.
فسّر حميدة سبب إلغاء العرض الذي كان مبرمجاً باحتجاجات من قبل سكان المدينة الساحلية. والاحتجاجات لا تتعلق إطلاقاً بمحتوى المسرحية، بل بتصريحات سابقة للفنان مقداد السهيلي، انتقد فيها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة الذي يمتلك شعبية أصيلة في هذه المحافظة.
لا شكّ أن عملية إلغاء المسرحية لا يمكن أن تُفهَم سوى كاعتداء على حرية التعبير. اعتداء غير مقبول وتلجيم للأفواه، إذ يقيد الفنانون كي لا يعبروا عن آرائهم في بعض الشخصيات السياسية، من أجل إضفاء نوعٍ من القدسية على الراحلين. هذا ما يقوله الناشط السياسي، فتحي الحشاني، لـ"العربي الجديد". اعتبر الحشاني هذه الممارسات خطراً كبيراً على حرية التعبير في تونس، والخشية الكبيرة هي أن تصبح هذه الممارسات بمثابة الأمر الواقع، "فكلما عبر فنان عن موقف ما، يُعاقَب بعدم دعوته للمهرجانات والتظاهرات الثقافية".
ما حصل لعرض "حسين في بكين" لمقداد السهيلي عاشه أيضاً الممثل المسرحي لطفي العبدلي، وذلك عند عرض مسرحيته "في سن الخمسين أقولها كما أعنيها"، ليلة الأحد الماضي، في مهرجان صفاقس الدولي. حاول بعض رجال الشرطة منع العبدلي من مواصلة تقديم عرضه بحجة أنّه أساء إليهم، ثمّ انسحبوا من العرض، الأمر الذي خلق حالة من الفوضى. ليس هذا فحسب، بل قام الناطق الرسمي لنقابة قوات الأمن الداخلي، شكري حمادة، بالتصعيد، إذْ أكّد أن الشرطة لن تسمح بأي عرض يهاجم القوات الأمنية. هذا التصريح خلق موجة غضب عارمة لدى التونسيين، إذْ اعتبره الكثيرون بمثابة الإعلان الرسمي عن تضييق الخناق على الفنانين، بتهمة أنّ ما يقدمونه يتنافى مع "الأخلاق الحميدة". واعتبر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بسام الطريفي، أنّ محاولة بعض الرجل الشرطة إيقاف عرض مسرحية لطفي العبدلي بدعوى الإساءة إليهم ليست إلا "اعتداء على حرية التعبير وتأسيس لدولة البوليس".
هذا الجدل حول هذه الممارسات دفع وزارة الداخلية التونسية إلى إصدار بيان حاولت من خلاله التخفيف من حدة التوتر عقب عرض مسرحية العبدلي. كما قام الرئيس التونسي قيس السعيد، الأربعاء الماضي، وبدعوة من وزيرة الداخلية، بالتأكيد أنّ رفض تأمين المظاهرات من قبل قوات الأمن، هو بمثابة دخول في إضراب، وهو ما يمنعه الدستور التونسي، إذْ يمنع على القوات الأمنية التونسية ولا يحق لها الإضراب عن العمل.
الضبابية التي تعيشها الساحة الثقافية التونسية بسبب سعي البعض إلى تقييد حرية التعبير في الإبداع الفني رفعت سقف مخاوف التونسيين من انتكاسة حقيقية في مجال حرية التعبير والحريات العامة والفردية في ظلّ صمت مطبق من وزارة الثقافة التونسية التي من المفترض أن تكون معنية بهذا الملف. هذا الصمت أثار الكثير من التساؤلات حول غياب موقف واضح مما حصل، وخصوصاً من ناحية الاعتداءات المتكررة على الفنانين ومنظمي الفعاليات الثقافية، مثل الاعتداء على مدير مهرجان طبرقة الدولي وجيه الهلالي.