تسعة أيام وقصيدة

04 نوفمبر 2021
من الفيلم (يوتيوب)
+ الخط -

لا تنتهي قائمة الأفلام التي تتناول قضايا لاهوتية ووجودية، تتعلق بعلاقة البشر بالخالق، وأسئلة الإنسان الحائرة عن الإرادة والقدر، وعن العدل والظلم، وعن الحياة والموت. نجد ذلك القلق المريب، من مصير الحضارة والوجود البشري، وحياة ما بعد الموت.
وقد كثرت، في الآونة الأخيرة، أفلام هوليوود ذات الإنتاج الضخم، التي تكرر قصة نهاية الحياة، والقضاء على الجنس البشري، بمواجهة مخلوقات قادمة من كواكب أخرى، أو عوالم مختلفة، وأحياناً من قبل حيوانات عملاقة، جرى تطويرها في المخابر، على أيدي العلماء. وأحياناً، نشاهد في هذه المختبرات، تطوير جراثيم وأوبئة، إلى جانب أسلحة عجيبة غريبة وفتّاكة، أو صناعة وتطوير إنسان آلي خارق، قد تُفقد السيطرة عليه، وينقلب على صنّاعه.
غالباً، تكون معالجة هذه الأفلام، لهذه القضايا الكبيرة، سطحية، وتنتهي دوماً نهايات سعيدة، وتنجح في معادلة شباك التذاكر. وغالباً ما يقوم المنتج بإنجاز فيلم ثان وثالث، وهكذا.
يتميز الفيلم الأميركي "تسعة أيام" (Nine Days)، من إنتاج 2020، وإخراج إدسون أودا (Edson Oda) بأنه فيلم مستقل بميزانية صغيرة لا تتجاوز عشرة ملايين دولار، ويتميز أيضاً بمعالجة عميقة ومؤثرة لمعنى الحياة والموت، إذ نشاهد مجموعة بشر عاديين، لنعرف لاحقا أنهم مجرد أرواح لم تولد بعد، يعيشون في صحراء. وواحد منهم فقط، كان قد جرب الحياة سابقاً؛ إذ إن المختلف على الأرض هو شدة وقوة الأحاسيس.
يختبر بطل الفيلم، "ويل"، خمسة أرواح بهيئة بشر، لاختيار واحد منهم بهدف إرساله إلى الأرض، ومنحه فرصة الحياة هناك، بدلاً عن صبية ماتت.
يقضي المرشحون للحياة تسعة أيام في كوخ "بيل"، ويُطلب منهم أن يدونوا ملاحظاتهم: ما يعجبهم وما يكرهون، عن بشر يراقبونهم عبر شاشات التلفزيون.


يقرّر بيل من سيتلاشى منهم، ومن الناجي الوحيد الذي سيمنح فرصة الحياة، ويستبعدهم من دون معايير واضحة. ولكن القرار يأتي على خلفية أجوبتهم حول سؤال: إن كنت في الحياة الدنيا، وكنت معتقلاً مع طفلك الذي حاول الفرار، ويطلب سجانوك إما أن تقتل طفلك، أو سيقتلون الجميع؛ أي طفلك وأنت والمعتقلين.. ماذا ستفعل في هذه الحالة؟
تتنوع الإجابات، وتظهر الفوارق بين الأفراد، ونرى أن كل رأي يستند إلى فلسفة أو نظرة دينية أو أخلاقية، تتنوع بين العدمية واللاأدرية، والتسليم، والمادية.
ينحصر السباق أخيراً بين إيما وكين.. إيما المتفائلة والمؤمنة بالخير، وكين المستعد للقتل والقتال. يختار بيل كين لأنه لا يريد لمرشحه أن يفشل، وعندما تغادر إيما لا يودّعها؛ فتترك له رسالة تخبره عن اللحظات السعيدة التي عاشتها خلال الأيام التسعة في "البرزخ"؛ أي كوخه.
يلحق بيل بإيما، قبل أن تتلاشى، وينشدها أبياتاً من قصيدة "أغنية لنفسي"، للشاعر الأميركي والت ويتمان: "أحتفي بنفسي، وأغني نفسي/ وما سآخذ به ستأخذون به/ وكل ذرّة فيّ، هي ذرة فيكم/ أطوف، وأدعو نفسي/ أتكئ وأطوف، مطمئناً/ أرقب ورقة جديدة للعشب الصيفي/ أحتفلُ بنفسي وأغنّي نفسي/ وما أفترضُه ستفترضونه، لأنّ كلّ ذرةٍ تخصّني تخصّكم".
تعتبر قصيدة ويتمان المنشورة في ديوانه "أوراق العشب" عام 1855 من عيون الأدب العالمي، حتى قيل إنّ أحداً لا يمكن له أن يفهم أميركا، من دون شعر ويتمان، الذي يطلق عليه "أبو الشعر الحديث".
هوجمت القصيدة والديوان عند صدوره بحجة شهوانيته ولاأخلاقيته، وطرد الشاعر من عمله. ولكن، لاحقاً، تم الاعتراف به رائداً للشعر الأميركي.

موقف
التحديثات الحية

عُرفت تسع نسخ من القصيدة بسبب تنقيح وتعديل ويتمان لها، وكان آخرها نسخة "فراش الموت"، التي ترجمها الشاعر العراقي الراحل سعدي يوسف، ثم أعاد الترجمة الشاعر السوري عابد إسماعيل، ونشرها في ديوان منفصل صدر عن "دار التكوين" الدمشقية في عام 2006.

المساهمون