ترامب رئيساً... السيلفي الذي يذهب إلى الأقصى

24 نوفمبر 2024
سيباستيان ستان بدور ترامب في فيلم "المتدرّب" (IMDb)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تُعتبر الرئاسة الأميركية موضوعًا شائعًا في السينما، حيث تُستخدم لإضفاء الواقعية والجاذبية، مع تصوير الرؤساء غالبًا بعد انتهاء فترة رئاستهم لتجنب القضايا القانونية.
- ريتشارد نيكسون يُعد من أكثر الرؤساء الذين أثاروا اهتمام المخرجين، حيث تناولت الأفلام جوانب من حياته مثل فضيحة ووترغايت، مما جعله شخصية سينمائية بامتياز.
- يُتوقع أن يحظى دونالد ترامب باهتمام سينمائي مماثل لنيكسون، نظرًا لشخصيته المثيرة للجدل والتي تُعتبر مادة غنية للسينما، رغم التحديات القانونية والسياسية.

تحضر الرئاسة الأميركية في أفلام عدّة، يُسمّى الرئيس باسمه في بعضها، أو يُوحى إليه في بعضٍ آخر، أو يكون مجرّد شخصية لا تمتّ بصلةٍ إلى رئيس حقيقي أحياناً. إنّه منصب يبهر سينمائيين، يرون في إضافته إلى نصوصهم واقعية تدعم الحكاية، وجاذبية تُشوّقها. تلجأ السينما الأميركية أكثر من غيرها، الفرنسية مثلاً، إلى تمثيل شخصيات الرؤساء.

في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وتعاقب الرؤساء، رأى قليلون رئاستهم مُصوّرة في السينما، منهم مثلاً جورج دبليو بوش، الظاهر في "نائب" (2018) لآدم ماكاي. الفيلم المُخصّص بسيرة ديك تشيني أبدى صورة ساخرة لبوش الابن، كاشفاً خفايا سلوكه، ومدى تهوّره، وعدم إلمامه، وقلّة خبرته، وضعفه، وسيطرة نائبه تشيني عليه من البداية.

لكنْ، عامة، حين يُشار بالاسم إلى رئيس بعينه، أو تُستعاد سيرته، يحصل هذا بعد رحيله، أو بعد انقضاء فترة زمنية من رئاسته، إمّا خشية من القضاء، وإمّا لترك مسافة زمنية تتيح تأملاً أكثر بالشخصية ودورها، وإمّا لانتظار كشف وثائق كانت سرية في ملفات الدولة، يرى فيها السينمائيون مادة غزيرة لفيلمٍ، وثائقي أو روائي.

لعلّ أكثر الرؤساء الأميركيين، الذين أثاروا شهية مخرجين ومؤلّفين، ريتشارد نيكسون (1913 ـ 1994)، إذ يبدو أنّه شخصية سينمائية بامتياز، ليس بسبب فضيحة ووترغايت فقط. يتجلّى ذلك في أفلامٍ استوحت حياته أو ملامح من شخصيته، وحُقّقت بعد رحيله. في رئاسته (1969 ـ 1974)، كان نيكسون زعيماً مثيراً للجدل للغاية، وسُلِّط الضوء سينمائياً على تعقيد شخصيته، من خلال الحملة التي أوصلته إلى الرئاسة حتى فضيحة ووترغايت، بما في ذلك مشاكل إدمان الكحول، كما في "نيكسون" (1995) لأوليفر ستون. أوحت شخصيته إلى سينمائيين مهمّين بإثارة لقاءاته، الواقعية منها والمفترضة، كـ"نيكسون في الصين" (2011) لدونيز كَإيوزي، كوميديا موسيقية ساخرة عن لقاء زعيمين، و"ألفيس ونيكسون" (2016) لليزا جونسون، عن لقاء غير متوقع بين الرئيس الأميركي والملك إلفيس بريسلي.

سبق هذا أفلام أخرى، منها "اغتيال ريتشارد نيكسون" (2004) لنيلز مولر، و"فروست/نيكسون" (2008) لرون هاورد، عن المقابلة التلفزيونية الشهيرة التي أجراها البريطاني ديفيد فروست مع الرئيس نفسه عام 1977، التي بُثّت في أربع أمسيات، وحطّمت الرقم القياسي في عدد مُشاهديها في تاريخ الشاشة الصغيرة، وغيّرت وجه السياسة، ودفعت الرئيس السابق إلى الإدلاء باعتراف أذهل العالم.

لماذا الحديث عن نيكسون؟ هناك توقّع أنْ يحظى الرئيس العائد دونالد ترامب باهتمام سينمائي مثله، بل قد يفوقه. مع أنّ نيكسون شخصية سياسية حقّة، بينما ترامب صنيع التلفزيون، إذْ أجرى مقابلات مع مرشّحين للانضمام إلى شركته عبر "المتدرّب"، أحد برامج تلفزيون الواقع على قناة إن بي سي عام 2004، واشتهر فيه بعبارة "أنت مطرود".

ترامب شخصية تستدعي الكتابة السينمائية، قلباً وقالباً. في شكله، هناك ما يصنع مادة غنية وسهلة التجسيد: تسريحة خاصة (أتكون متعمّدة؟)، ومشية مدروسة، وتعبير مُلازم وساخر على الوجه. هذه كلّها ملامح يسهل استغلالها سينمائياً. أمّا قلباً، فهذه شخصية تنقسم حولها الآراء بين إعجاب واستياء وكره (يسار وسينمائيون خصوصاً)، إلى درجةٍ مثيرة للاهتمام في تفاوتها، ما يجعله صالحاً تماماً ليكون شخصية سينمائية، فيها ابتكار وحركات جاذبة.

في الوثائقي "أين رون كوهن؟" (2019) لمات تيرناور، عودة إلى الشخصية المُعقّدة للمحامي الأميركي روي كُوِن، المُتلاعب الماهر، الذي يعاني مشاكل عميقة، والذي أثارت شخصيته اهتمام المخرج الإيراني الدنماركي علي عباسي في "المتدرّب" (2024). والفيلم ليس سيرة ذاتية لترامب، بل لمسيرته مع ناصِحِه كوِن. يقول عباسي إنّه لم يهتمّ بأدقّ تفاصيل حياة ترامب منذ ولادته إلى الآن، بل رواية قصة محدّدة جداً، تتمثّل بعلاقته بالمحامي، وإنّه حريصٌ على إدانة النظام بقدر حرصه على تسليط الضوء على الشخصيات. أما كاتب السيناريو غابريال شيرمان (صحافي سياسي سابق، أتيحت له فرصة لقاء ترامب في مناسبات عدّة)، فأدرك إلى أي مدى يمكن أن يكون كوِن أداة قوية في سباقه إلى البيت الأبيض، وأنّ هناك إمكانات سينمائية حقيقية في هذه "التلمذة المهنية" لـ "ترامب الشاب بقيادة مُعلّمه كوِن"، الذي علّمه التعبير عن نفسه، واستخدام أساليب عديمة الضمير للاستيلاء على السلطة. مع ذلك، لنتخيّل كم هو صعب العثور على موزّع للفيلم في الولايات المتحدة الأميركية، شبّهها عباسي بالرقابة، هو القادم من إيران، ولديه حساسية خاصة من كلّ أشكال الرقابة والحذف. حتى المنصات كانت حذرة في عرض أفلام من هذا النوع، والسبب: التهديد بتقدّم متحدّث باسم ترامب بدعاوى قضائية.

سينما ودراما
التحديثات الحية

مصاعب قد تدفع كثيرين إلى التردّد في صنع فيلم آخر عنه، أقلّه في فترة ولايته الثانية. لكنّ عالم السينما، ذا التوجّه الديمقراطي، لن يُفوّت فرصة في ترصد "نهفات" الرئيس وهفواته، ولن يتوانى، لاحقاً ربما، عن تصوير أفلام عمن هو شخصية تمثيلية أصلاً، لا مجرّد شخصية في الحياة يمكن نقلها إلى السينما: شخصية سينمائية ولا شيء آخر، تُنتج مشهداً. بحسب المُفّكر الفرنسي غي دوبور، في كتابه "مجتمع الاستعراض" (1967)، الحياة الحديثة تقليد للحياة، ومشهدٌ غير واقعي بات واقعنا. لم نعد نعيش، بل نصنع مشهداً لأنفسنا وللآخرين. نقلّد الشخصية التي نودّ أن نكونها، في عالمٍ تحوّل إلى مسرح يمارس عليه الجميع الاستعراض.

شخصية كترامب تأكيدٌ كامل وواضح لهذه الفكرة، فواضحٌ أنّ كلّ كلمة له، وكلّ إيماءة من حركاته، تتعلّقان بالدور الذي يؤدّيه. وواضحٌ أيضاً أنّه لا يوجد وراء هذا الدور شيء، لا فكر ولا إخلاص، بل رغبة صادقة في لعب هذا الدور، وتأمّل نفسه وهو يلعبه. ترامب ليس رجلاً يلتقط "سيلفي": إنّه "السيلفي" (الصورة)، لكنّه يذهب فيه إلى الأقصى المُكتمل أكثر مما يفعل الآخرون. قد يكون هذا سبب نجاحه، لما يثيره "السيلفي" من افتتان. أي فيلم عنه سيكون فيلماً في فيلم، والممثل الذي يؤدّي دوره سيكون تجسيداً لممثل، وموضوع الفيلم لن يكون عن حياة حقيقية، بل عن فيلم يمثّل الحياة. فلننتظر.

المساهمون