استمع إلى الملخص
- تصريحات بعض الفنانين مثل نوال الزغبي ويسرا تثير الجدل حول استمرارهم في الأنشطة الفنية رغم العدوان، مما يثير تساؤلات حول مدى تعاطفهم الحقيقي مع الشعوب المتضررة.
- يسرا تُظهر تناقضاً في مواقفها السياسية، حيث دعمت الثورات العربية في البداية، لكنها غيرت موقفها بعد وصول السيسي إلى السلطة، مما يعكس رغبتها في الحفاظ على مصالحها الشخصية.
تبدأ إسرائيل عدوانها الوحشي على لبنان فيُستعاد الجدل نفسه حول دور الفن، وهذا مشروع وإنْ كان متسرّعاً، فليس مطلوباً من الفن أن يكون صدى وردَ فعل، على حساب طبيعته ومشاغله الجمالية، لكن ما ينطبق عليه لا ينطبق على المشتغلين فيه، وكثير منهم من العرب، وعلى خفة تفاجئك دائماً، ولامبالاة تُشعرك بأن القوم اسكندنافيون، لا علاقة لهم بالمنطقة حتى عاطفياً.
لم يكن ينقص نوال الزغبي سوى تقريع الفلسطينيين على مقاومتهم في غزة، في معرض تبريرها مشاركتها في مهرجان موازين في يناير/كانون الثاني الماضي، فالشعوب العربية تعبت من الحروب، كأنها، أي هذه الشعوب، تبدأ نهاراتها مُجبَرةً بتمرينات صباحية على إطلاق الصواريخ على الأعداء في الجوار! وقد آن لها أن تستريح وتريح، وليس أنها تتعرض لعدوان وحشي نازي تقوم به إسرائيل منذ 75 عاماً، فتقتل وتبيد وتهجّر.
المبررات التي ساقتها نوال الزغبي في حينه نقرأ ما يشبهها على لسان الممثلة المصرية يسرا، فثمة "أحداث" قد تطرأ في الحياة، لكن لا ينبغي لها أن تعطّل مشاريعك، ومنها مهرجان الجونة السينمائي، ثم إننا، والكلام ليسرا، حاولنا في دورة المهرجان السابقة التأجيل من أكتوبر/ تشرين الأول إلى ديسمبر/ كانون الأول، لكننا لا نستطيع أن نوقف حياتنا وأعمالنا، وهذا لا ينفي "تعاطفنا" مع الشعوب التي تُذبَح وتُباد.
وصف العدوان على لبنان ومن قبله وبالتزامن معه على غزة بأنه أحداث يعني مقاربة انزياحية لطبيعة هذا العدوان، تفرّغه من وحشيته، ثم تخلق مسافة معه تُبعده عنك، فإذا هو يجري "هناك" وليس "هنا" في مصر مثلاً، ولا حديث عن كارثية هذا العدوان وفظائعه، ولا عن وجوب أن نتوقف قليلاً، صمتاً أو تعطيلاً لأعمالنا، خاصة إذا كانت إحياءً لأعراس أثرياء وميسورين، لنقول لضحاياه نحن معكم، علماً أن أحداً في العالم لم يطالب يسرا ولا راغب علامة بحمل بندقية آلية والانضمام إلى المقاومين الذين يدافعون عن حيوات أطفالهم ومواطنيهم وبلادهم وكرامتهم ومستقبلهم.
كما لم يطالبهم أحد بوقف مشاريعهم الفنية، بل التعبير عن ذلك بلغة ترقى إلى مستوى الفن الذي يشتغلون فيه وعليه، وإلى مستوى يحترم مشاعر أولئك الذين يُذبحون في غزة والضاحية الجنوبية بينما قد يشاهد الأحياء منهم فيديوهات لراغب علامة وهو يُحيي حفل زفاف في القاهرة. علماً أن علامة من مواليد جنوب لبنان لا أحد أحياء باريس أو روما.
صحيح أن علامة ليس من مواليد باريس لكن يسرا تنزع نحو فرنسية تمنحها وضعاً نخبوياً يبعدها عن مصريتها أو يميّزها عن أقرانها على الأقل، ففي أفلامها تحرص على أن تغني بالفرنسية، وإذا كانت ثمة مسوّغات مفهومة لهذه الأدوار في السينما، فإنه لا مسوّغ لها ولسواها من فنانين عرب على الإطلاق للحرص على الانفصال عما يحدث لنا، هنا والآن، كأنهم فرنسيون وليسوا منا، على الاقل على صعيد التعبير عن أنفسهم وحرصهم على مشاغلهم الفنية، وكثيرها تهريج وحفلات زفاف لا مشاريع كبرى تخلدهم في كتاب تاريخ الفنون.
خلال ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك كانت يسرا في باريس للعلاج كما قالت، وعندما اتُّهمت بالهروب كي لا يُسجّل عليها موقف أو رأي ضد مبارك أو الثائرين عليه، ردت بالقول إنها مع ثورات الشعوب العربية وضد الفساد في بلادها، وإن أفلامها مع عادل إمام تحديداً تندرج في سياق الفن المعارض في حقبة مبارك، لكنها انقضت على موقفها هذا بعد مجيء السيسي، ورأت في الرجل خير من أنجبت مصر، وشاركت في تجمعات تستقبله في هذه العاصمة أو تلك، فما هو موقفها الحقيقي مما يجري في بلادها؟ حولها؟ وفي قربها؟ لا موقف واضحاً من أي شيء، بل ذرائع للتعايش مع ما يطرأ بما يضمن لها النجاة، ويراكم مكاسبها أو يقلّل من أي ضرر محتمل، ولا بأس لو تُركت لها مسافة أمان تعصمها من الانخراط المباشر في "الأحداث"، بما يضمن لها موقفاً متعالياً، عابراً للطوارئ والصراعات.
لا نطالبها أن تكون انتحارية، بل أن تصمت أو تجسّر الهوة ما أمكن بينها وبين الواقع الذي تعيش فيه، أن تكون مثلنا، نحن جمهورها ومحبي أفلامها: كوني تحية كاريوكا، اشتمي إسرائيل لو مرة واحدة على الأقل.