تايلور سويفت... المغنية واستراتيجيات التسويق

08 ديسمبر 2022
تتولّى بشكل شخصي إدارة صفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي (مايك كيمب/ Getty)
+ الخط -

أرقام قياسية بالجملة حققتها تايلور سويفت (1989) هذا العام، في ألبومها العاشر Midnights، الذي تصدر مبيعات الألبومات عالمياً قبل نهاية العام، وبعد أسبوع فقط من صدوره. وأصبح الألبوم الحدث الموسيقي الأبرز هذا العام، بسبب تأثير تايلور سويفت المتزايد في صناعة الموسيقى وتجارتها. وأثارت أرقام العمل ومبيعاته التساؤلات عن كيفية وصول تايلور سويفت إلى هذه المرحلة تجارياً؟ وكيف يمكن الاستفادة منها في تجارب الإنتاج العربية؟
بالطبع، العامل الرئيسي في نجاح أي فنان لمدة تتجاوز 10 سنوات هو قدراته الفنية الكبيرة، وفي حالة تايلور سويفت، فهي من أكثر كتّاب الأغاني وصنّاعها براعة حالياً، بجانب قدرتها على التلون وتقديم ألبومات بأنماط موسيقية مختلفة في كل مرحلة من حياتها، وآخرها موسيقى البوب في ألبومها الأخير الأكثر نجاحاً.
يتمثل هذا النجاح بقدراتها التسويقية المميزة، إذ جعلت من الفنانة ظاهرة وصاحبة كيان اقتصادي مؤثر أكثر من كونها مغنية تحقق مبيعات هائلة، وخاصة أنها تحقق نجاحاً تجارياً تصاعدياً منذ بداياتها الفنية بطريقة تشبه صعود شركة تجارية.

مرحلة تكوين الشعبية

أول الدروس التي قد نستفيد منها في تجربة تايلور سويفت التسويقية، طريقتها في تكوين شعبيتها، من خلال الصورة الذهنية التي رسمتها عن نفسها طوال السنين الماضية، فتفرغت الفنانة لبناء تجربتها الفنية وإطلاق الألبومات، وابتعدت عن إثارة الجدل أو إطلاق الآراء السياسية والصدامية، قبل أن ترعى جمهورها بطريقة أخرى مميزة، من خلال التركيز على إنشاء مجتمع خاص بجمهورها ومعجبيها، الذين أصبحوا في ما بعد يطلق عليهم "سويفتيز"، ويتنافسون في دعم مطربتهم المفضلة والتواصل معها باستمرار على مواقع التواصل، بطريقة أشبه بروابط المشجعين.


بناء علاقة شخصية مع المعجبين لا يأتي في يوم وليلة بالنسبة إلى المطربين، فاستغرقت سويفت سنوات في بناء الرابط بينها وبين الجمهور، بدأتها بالحضور بنفسها على معظم المنصات، مثل "تمبلر" و"تيك توك". ولا تستخدم مديرين لصفحاتها للتواصل نيابة عنها مع الجمهور، بل تتبادل النقاش بنفسها مع متابعيها، وتتعامل معهم كما لو أنهم زبائن، تقدم لهم خدمة ما بعد البيع، بداية من إرسالها رسائل بخط يدها إلى أفراد من جمهورها، أو توجيه رسائل تهنئة في مناسباتهم الخاصة، إلى جانب إشراكهم معها في صنع أغانيها، بإقامة جلسات استماع خاصة في منزلها لعدد من معجبيها المخلصين.

روابط المشجعين

تأتي هذه الطريقة على عكس الشائع بين الفنانين العرب، الذين يغلب على طريقتهم في الترويج، التعامل مع الجمهور كأرقام فقط، لا كأشخاص مختلفين بإمكانهم التأثير في الآخرين. نجحت طريقة تايلور سويفت هذه في تعزيز ولاء الجمهور لشخصيتها وأعمالها، في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، وأزمة صعود النجوم وهبوطهم سريعاً، بسبب عدم القدرة على صنع روابط قوية بين الفنان والجمهور، على عكس الأزمنة السابقة لمواقع التواصل هذه، التي كان بها الجمهور أكثر ارتباطاً بالفنان، بسبب وسائل الاستماع المادية، كالأسطوانات والكاسيت ووسائل الدعاية التقليدية، مثل الصحافة والتلفزيون، على عكس طرق الاستماع الإلكترونية، التي تجعل الجمهور مرتبطاً بالأغاني أكثر من أصحابها، لسهولة الاستماع إلى عشرات الأغاني يومياً بشكل مجاني.
جاءت نتائج مساعي تايلور سويفت في بناء الولاء والعلاقة الشخصية بينها وبين الجمهور بشكل واضح في ألبومها الأخير، ليس في نسب الاستماع الإلكترونية فقط، وتصدرها لتطبيق "سبوتيفاي" في اليوم الأول من صدور العمل، ولكن في المبيعات المادية للألبوم، التي تعتبر المقياس الحقيقي لحالة الولاء والترابط الجماهيري، وتعكس رغبة الجمهور بالفعل في اقتناء موسيقى الفنان المفضل إليه ودعمه مادياً بشكل مباشر. لذلك، حققت سويفت رقماً قياسياً، وأصبح ألبومها الأكثر مبيعاً في نسخ الفينيل منذ عام 1991 بأكثر من 575 ألف نسخة مبيعة، وبما يقارب نصف مليون نسخة CD، وأكثر من 10 آلاف نسخة كاسيت.


الإقبال الجماهيري على دعم تايلور سويفت مادياً بشكل مباشر، لم يقتصر أيضاً على المبيعات المادية، ولكن في تذاكر جولتها الغنائية المقبلة، التي باعت منها ما يقارب 2.4 مليون تذكرة بعد محاولة 14 مليون شخص لحجز التذاكر. رقم قياسي آخر يعكس حالة الاهتمام من الجمهور بسويفت، التي أعطت الأولوية لمعجبيها الأصليين، أو "السويفيتيز"، بحضور الحفلات من خلال إتاحة الحجز المسبق لهم، أو شراء التذاكر بناءً على شرائهم نسخ الألبوم المادية وغيرها من التسهيلات.

أهمية المبيعات المادية

استسلم الفنانون في الشرق الأوسط لنظرية أن الجمهور لن يدفع مقابل ما يسمع، وأن وسائل البيع التقليدية انتهت، وهو ما جعل معظم الفنانين يرضخون لوسائل التسويق الإلكترونية التقليدية، مثل طرح أغانٍ منفردة، والدفع لمواقع العرض والتواصل مقابل دفع ترتيب الأغاني في الخوارزميات، ولكن من دون ابتكار طرق تسويق خاصة بكل مطرب، بناءً على شخصيته أو صورته الذهنية لدى الجمهور، أو من دون وجود شيء مشترك بين المطرب وجمهوره، عكس نموذج تايلور سويفت التي تستخدم هذا الرابط حتى في كلمات الأغاني، باختيار موضوعات تعطي إشارات إلى حياتها الشخصية نفسها وتجاربها الحياتية، وتدفع الجمهور إلى الشعور بالفضول تجاهها باستمرارها

اهتمت تايلور سويفت بالجزء المادي في علاقتها بمتابعيها، فمن الرسائل بخط يدها إلى الجمهور، والمقابلات الشخصية، إلى جانب الهدايا الخاصة منها مع نسخ الفينيل والأسطوانات، وأفكارها التسويقية الأخرى، مثل عرض شراء أربع نسخ فينيل لتكوين ساعة حائط حقيقية، أو الحصول على ملابس ومقتنيات أخرى، أو سماع أغانٍ إضافية في النسخ المادية غير موجودة إلكترونياً. وقبلها، ابتكرت سويفت عدة طرق تسويق أصبحت تقليدية في الوقت الحالي، مثل حذف جميع منشورات مواقع التواصل من أجل لفت الانتباه إلى المحتوى الجديد المراد التسويق له، أو استخدام "تيك توك" لإعلان أغاني الألبوم، كما حدث في إصدارها الأخير، Midnights... كلها خطوات أسهمت في فتح منافذ ربح إضافية لها، إضافة إلى زيادة حجم جمهورها وقوة ولائهم.

حاول بعض الفنانين اتباع نظرية سويفت في بناء القاعدة الجماهيرية، ومنهم تامر حسني وإليسا، فالأول لديه اهتمامات بالفعل في خلق روابط شخصية مع الجمهور، والاجتماع مع معجبيه، ولكن توقفت في المرحلة الأخيرة من مسيرته، ولم يستفد منها في مبيعات الغناء مثل استفادته بها في بيع تذاكر أفلامه.
أما إليسا، فكانت مهتمة بالتواصل الشخصي مع الجمهور، وبيع منتجات مادية لهم، ولكن التواصل لم يكن مرتبطاً بأعمالها الفنية، بل بآرائها السياسية أو بيع عطور ومنتجات أخرى، على عكس سويفت التي كان الهدف من طريقتها بيع موسيقاها وتذاكر حفلاتها في المقام الأول، والاستثمار في صناعة الموسيقى، وإدخال الجمهور في المعادلة، باعتباره فرداً مؤثراً في الصناعة.

المساهمون