بين الدراما العربية وتلك الغربية

26 سبتمبر 2021
تشتت أحداث مسلسل "الهيبة" بتعدّد أجزائه (فيسبوك)
+ الخط -

لطالما حظيت الدراما الغربية بحصة وفيرة من العرض والطلب لدى الجمهور العربي، لكنها في السنوات الأخيرة وجدت سوقاً أكبر بعد دخول شبكات كبرى عالم المنصات الرقمية، وتغيير نمط المشاهدة نحو العرض عند الطلب بدل التدفق التلفزيوني التقليدي.
وسط ذلك، نما جيل جديد من المتابعين العرب غير الشغوفين بالدراما المحلية والمدافعين بشكل كبير عن الدراما الأجنبية إلى حدٍ كبير، خاصة أن هناك نسخاً عربية عدة لأعمال أجنبية ذائعة الصيت، لم تجد وقعاً لها في المنطقة عند العرض، سواء كانت نسخاً معربة حد التطابق، أو اقتباساً يعترف به حيناً وينكر الاعتراف أحياناً أخرى.
المختلف في الطرح بين شكلي الدراما السابقين كبير، ويظهر في فروقات عدة، لعل أبرزها طريقة الدراما الغربية في التأسيس للحدث وانطلاقه، وعرض تاريخ الشخصية والتفاعلات التي حدثت معها لتصل للوقت الراهن.
فضمن مسلسل "البروفيسور"، مثلاً، الذي تجاوز عدد مواسمه الخمسة، ونال شهرة عالمية كبيرة عبر منصة "نتفليكس"، تظهر الشخصيات مجهولة في الموسم الأول، وسرعان ما ينتهز كتاب العمل الإسباني الفرصة لإيجاد مساحات درامية بين مشاهد العمل البوليسي المشوق لخطف المشاهد إلى الخلف نحو أحداث سبقت عملية السطو، وأسست لملامح الشخصيات وسماتها الرئيسية، كما كان لها دور كبير في قرارات الشخصيات خلال سير الزمن الراهن للحدث؛ أي عملية السطو.
ذلك أخفقت فيه مسلسلات اختارت الرجوع إلى الخلف. ولنذكر مثلاً مسلسل "الهيبة"، في موسمه الثاني "العودة"، حيث اتخذت شركة الإنتاج، بعد نجاح الموسم الأول، قراراً بالعودة زمنياً عدة سنوات للوراء، واستعراض المراحل التي مرت بها شخصيات العمل، ولا سيما "جبل"، للوصول إلى مكانة الزعامة في قرية الهيبة.
رجوعٌ سبب استنزافاً لسير العمل بشكل تراتبي، فضلاً عن عدم وجود المنطق في عرض بعض الأحداث ضمن سياق الجزء الثاني، فعلاقات الشخصيات في ما بينها بدت متبدلة وغير مترابطة، وهذا ما عاد وظهر جلياً في الجزء الثالث للمسلسل الذي بني على نهاية أحداث الجزء الأول.
في نقطة مقارنة ثانية، تظهر الدراما العربية غير مقنعة في مواسمها الأخيرة، ولا سيما ضمن نطاق الدراما المشتركة بما يخص سمات الشخصيات الرئيسية، من أسلوب في الحديث إلى طريقة التصرفات وأسلوب الثياب والتفاعل مع المحيط، ليكسر مسلسل "مدرسة الروابي للبنات" القاعدة أخيراً في رسم نماذج مختلفة لفتيات لا يشبهن بعضهن بعضاً من ناحية الزي، وطريقة فهم الحياة وطبيعة فهم العلاقات.
في حين أخفق مسلسل "صالون زهرة" رغم تنوع عدد الشخصيات الموجودة ضمن أحداثه، من صناعة خطوط واضحة لكل شخصية، فجاءت الألوان الفاقعة والديكورات المزركشة على حساب عرض العوالم الداخلية للشخصيات، وهذا ما يعاكس تماماً شخصيات العصابة في مسلسل "البروفيسور"، حيث ورغم ارتداء الجميع زي العصابة الأحمر والقناع الشهير للمسلسل، إلا أن الفروق بدت واضحة للعيان من ناحية لغة الجسد والانفعالات، والتبدل بين مناخ عاطفي وآخر رغم الإضاءة الضعيفة للمكان والحركة ضمن مواقع تصوير شبه ثابتة تحمل السمة ذاتها من الديكور والأجواء العامة.

فروق كثيرة يطول ذكرها، لكنها بالمحصلة توصل المشاهد إلى نتيجة تكامل العناصر الفنية لصالح بنية المسلسل الواحد؛ فلا تخرج الموسيقى عن خدمة هدف الحكاية، ولا تصدّر القصة بطلاً على حساب شخصيات جانبية غير ناضجة، ولا يشتهر من العمل سوى شارته مع تدني مستواه، أو ينهي الجمهور الحلقات من دون حفظ أسماء الأبطال حتى.

بل تصب كافة الجهود البشرية والتقنية لصالح صناعة وحدة متكاملة اسمها مسلسل درامي يحمل طابع الاستقلالية والفرادة، وهذا ما بات نادراً في إنتاجات المنطقة العربية.

المساهمون