بيت العشي... أثر يختزل ملامح التاريخ والتراث الفلسطيني

22 نوفمبر 2021
يغلب على بيت العشي طابع البناء القديم (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

يتربع بيت العشي الأثري، منذ حوالي نصف قرن، في قلب مدينة "غزة القديمة"، ليروي على مدار عشرات العقود التي مضت، من خلال أقواسه الضخمة، وجدرانه العتيقة، تفاصيل حقب زمنية مَرت بها المدينة التي تعتبر واحدة من أقدم المدن في العالم.

ويُجسد البيت الأثري عبر قبابه، وأقواسه، وزخارفه التي بُنيت قبل مئات السنين، التي تعكس أصالة البناء والمعمار الهندسي القديم، تفاصيل التراث الفلسطيني، والذي فاح عبقه في أرجاء المكان، صاحب النصيب الأكبر من الجمال والعراقة.
وتضم البلدة القديمة، والتي تعتبر جزءًا رئيسيًا، من مدينة غزة، العديد من الأعيان الأثرية القديمة، وفي مقدمتها المسجد العمري الكبير، وكنيسة القديس بيرفيريوس، والعديد من الكنائس والأديرة، والمدارس والمعاهد العتيقة، كذلك تضم حمام السمرة الأثري، وعددا من الأسبِطة، ومدرسة الزهراء ومتحف قصر الباشا، فيما يضم العديد من الأحياء القديمة، وفي مقدمتها حي الزيتون، وحي الشجاعية وحي الصبرة وحي الدرج، فيما تعود غالبية المباني فيها إلى العصرين، العثماني والمملوكي.

ويعود بناء منزل العشي، والذي تبلغ مساحته نحو 220 مترًا، إلى العهد المملوكي وفق حديث جار المنزل، شريف بركات ويقطن منطقة غزة القديمة، حيث تملكته عائلة "سيسالم"، في الفترة التي سبقت انتقاله إلى ملكية عائلة "العشي". ويغلب على بيت العشي طابع البناء القديم، بما يميزه من جدران سميكة، وقباب تعتلي المداخل والطرقات، ونقش يزين بعض الزوايا، وعن ذلك يوضح بركات في حديث مع "العربي الجديد" أن طابع البناء المملوكي بدا واضحًا في البناء والعمران، بما يميزه من نقوش وتيجان وزخارف على الأبواب وفوق الأبواب والنوافذ.

وتتميز منطقة غزة القديمة وفق قول الفلسطيني بركات، بوجود العديد من البيوت القديمة والأعيان الأثرية التي تكسِبها مزيدًا من القيمة التراثية، ويوضح أن الفترة الأخيرة شهدت توجهًا ملحوظًا نحو ترميم تلك الآثار، وعلى وجه التحديد البيوت الأثرية، بما تحمله من قيمة كبيرة، مؤكدًا على ضرورة "مواصلة ترميم تلك الأعيان والعناية بها، على اعتبار أنها الواجهة الحضارية والتاريخية للبلدة".

ويُستَهَل بيت العشي، في الناحية اليمنى من البناء، بدرج يوصل إلى الطابق العلوي، فيما يزين أسفله، قوس يسمى "مزيرة"، كان يُستخدم من قِبل السُكان كخزان صغير للمياه، وتعلو الزخارف الهندسية المنقوشة يدويًا، بابا محاطا بحجارة صخرية قديمة، تعلوها زخارف هندسية محفورة يدويًا بدقة، يدخلك إلى غرفتين مفتوحتين تعلوهما قباب وأقواس كبيرة من الاتجاهات كافة، ويحاط بالبيت أسوار كبيرة ترتفع عن الأرض ثلاثة أمتار تقريبًا، يتوسطها مدخل رئيسي للبيت، يوصِل إلى "الفناء" أو الساحة المفتوحة، والتي تعتبر أساس البيوت القديمة، وتقام فيها معظم الأدوار المعيشية اليومية.

وتحتوي غرف بيت العشي على تجاويف مقوسة، تشبه الخزانات، لوضع مستلزمات البيت، ويجاورها مصابيح فخارية للإضاءة وإكساب المكان صبغة جمالية إضافية، فيما يتميز السقف بتجويف يشبه القُبة ثلاثية الأضلاع. ويدخُل الزائر إلى البيت، عن طريق شارع ضيق أو ممر، مغطى بالسباط "وهو سقف مقوس كان يستخدم للحماية والزينة والإنارة"، وتطل الناحية الغربية على الفناء، فيما تتميز أعمدتها المزينة بالرُخام، بالأقواس، التي تميز البناء القديم، كذلك تطل باقي الغرف على إيوان البيت (وهو الساحة أو الفِناء)، ويستخدم لاستضافة الزوار والضيوف، فيما كان يزين بالمقاعد والفرش التقليدي، ويضم فناء البيت ثلاث غرف، ومرفقاتها، من حمام ومطبخ وأماكن للجلوس.

وتجذب الحجارة الرخامية، ذات الألوان الوردية والسُكرية، والتي تزين العقود والناحية العلوية والجانبية من النوافذ والأبواب والأقواس، ومصدرها من التلال الصخرية، أنظار زوار البيت، الذي بات مؤخرًا يضج بالعديد من الفعاليات المجتمعية، والإعلامية، في محاولة لإعادة إحياء المكان، والحفاظ عليه من الاندثار، تأثُرًا بعوامل الزمن، علاوة على حفظ مكانته وقيمته التاريخية والمعنوية. وتسعى بعض المؤسسات المحلية والدولية، ومنها مركز عمارة التراث "إيوان" ومؤسسة اليونسكو الدولية إلى إنقاذ الأعيان الأثرية من الزحف العمراني، واندثار الملامح الأثرية في المدينة العتيقة، ما دفع الأولى إلى ترميم البيت، والثانية إلى تجهيزه كي يصبح مؤهلًا للزيارة، وتنظيم الأنشطة والفعاليات.

وتوضح مهندسة مشاريع الحفاظ على الأماكن الأثرية بمركز "إيوان" نشوى الرملاوي، أن البيت يختزل بمعالم البناء المملوكي القديم تفاصيل تلك الحقبة، والتي تميزت بالبناء العمراني والهندسي اللافت، والذي تغلب عليه الأقواس والنوافذ المزينة والجدران السميكة والأسقف المقوسة والمقببة من ثلاث زوايا.
وتبين الرملاوي في حديث مع "العربي الجديد" أهمية البيوت الأثرية القديمة، لمكانتها التاريخية والتراثية التي توضح الحق الفلسطيني، وتلفت إلى ضرورة رعايتها ومواصلة الاهتمام بها، حفاظًا عليها من التلف أو الاندثار مع مرور السنوات والعقود.
 

المساهمون