بهيج حجيج: أصنع أفلاماً ولا أبيع منتجات

29 نوفمبر 2020
من كواليس تصوير "غود مورنينغ" (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد نيله ثلاث جوائز سينمائية كان آخرها جائزة "أفضل إخراج" من مهرجان مالمو للسينما العربية، انتزع فيلم "غود مورنينغ" للسينمائي اللبناني بهيج حجيج جائزةً إضافية عن فئة أفضل سيناريو ضمن فعاليات "لي رامبو دو سينما" Les Rimbaud du cinema، المختصة بتكريم أفضل الأعمال السينمائية المُستقلّة، والتي يُعتبر حجيج من روّادها في لبنان، وذلك بعد مسيرة بدأها في أواسط الثمانينيات، وقدّم خلالها عشرات الأفلام الوثائقية الخاصة، بالإضافة الى ثلاثة أفلام روائية طويلة، تعاون فيها مع الكاتب رشيد الضعيف الذي يسجّل حجيج تعاوناً جديداً معه في فيلمه المقبل، كما يكشف في هذا الحوار مع "العربي الجديد". 

بالنسبة إلى السينمائي اللبناني، تكتسي جائزة Les Rimbaud du cinema  أهمية خاصةً بالنسبة له كونها "تُعنى بتكريم أفضل الأعمال السينمائية التي تنتمي إلى نوع سينما المؤلِّف أو السينما المستقلة". وهذا ما ينطبق تماماً على أفلامه الثلاثة التي قدّمها بإنتاج مستقل خارجٍ عن لعبة شركات الإنتاج الكبرى. وهو يرى في هذه الاستقلالية "حريةً لكي أعبّر عما أريد من دون أن أكون مرتبطاً بشركات كبيرة قد يكون لديها شروطها الخاصة للعمل". ويعترف بأن "سعادتي ليست بالتقدير الذي نلته أنا شخصياً فحسب، بل بالتقدير الذي ناله الفيلم ككل بفريق عمله الذي يشمل الدكتور رشيد الضعيف ومدير التصوير ميلاد طوق وكل من شارك من قلبه لإنجاح هذا العمل وساهم فيه حبّاً بالسينما". 

حجيج الذي تُعتبَر العديد من أفلامه جزءًا من ذاكرة البلد ومرجعية موثوقة لأكثر من جيل من السينمائيين الشباب، كان قد تناول الحرب اللبنانية بتشعّباتها ومرارة واقعيتها في أولى أفلامه الروائية الطويلة بعنوان "زنّار النار" عام 2004. وواصلت الذاكرة اشتعالها في عدسته من خلال تصويره لتبعات الحرب وتداعياتها الإنسانية بأشكالها المختلفة في فيلمه الثاني "شتّي يا دني" (2010). أما أحدث أفلامه "غود مورنينغ" فقد جاء هادئاً في قراءته لواقع لبنان الحديث، ومصير الإنسان والعمران فيه، وكأّنها قبلةٌ يضعها السينمائي الفذّ على جيبن البلد والمدينة.    

فماذا عن الفيلم المقبل؟ عن هذا السؤال يجيب حجيج: "هناك بالفعل مشروع لفيلم رابع يجمعني أيضاً برشيد الضعيف. هو كتب القصة وعملنا سوياً على السيناريو ويُمكن اعتبار هذا الفيلم قبلة جديدةً للبنان ولبيروت وبشكل خاص للشباب والشابات، لأنَّه يتناول 4 قصص حب لشابات لبنانيات تخبِر كلُّ منهن قصتها وهذه القصص متداخلة وهي تؤسس لرسم بانوراما للمجتمع اللبناني بتناقضاته الطائفية والاجتماعية. ويمكن اعتباره تكملة للمسار الذي سلكته في فيلم (غود مورنينغ)".
   
وعن تكرار التعاون مع الروائي الشهير رشيد الضعيف يقول: "فيلمي الأوّل (زنار النار) كان اقتباساً عن إحدى رواياته، لأنه في تلك الفترة لم يكن يريد أن يدخل معي في كتابة السيناريو بينما فيلم (غود مورنينغ) والفيلم الجديد يشكل عملاً مشتركاً بيننا مئة في المئة، ويشكل استمرارية لهذه الشراكة الموجودة بيننا والتي أراها مهمة للسينما أيضاً، لأن الأفلام المقتبسة عن روايات أو عن كتّاب بمستوى رشيد الضعيف قليلة". 

وفي مقابل غزارة نتاجه على صعيد الأفلام الوثائقية، يعترف السينمائي اللبناني: "صحيح أنني صوّرت ثلاثة أفلام روائية طويلة إلى اليوم. ولكن كان لدي أكثر من 10 مشاريع لأفلام طويلة نفّذت منها ثلاثة. فقد كتبت الكثير من السيناريوهات وحاولت في مراحل معينة أن أنفذها ولكنني لم أجد الإنتاج المناسب لها لأنني لم أدخل في اللعبة الإنتاجية المعروفة، ولم يكن لدي في حينها التواصل الكافي مع المنتجين". 

وعن سبب عدم تقديمه موضوعات تغازل توجّهات المهرجانات السينمائية في الخارج كما يفعل البعض يقول: "أنا لا أنتقد أحداً، ولكنني شخصياً لا أحب أن أعمل على كليشيهات جاهزة لأنها تشعرني وكأنني أبيع منتجاً. يهمني طبعاً أن أبيع أفلامي ولكنني لا أعمل عليها بهدف أو نية بيعها. ولذلك لم يغرني هذا التوجّه ولم أختر أن أسير بمشواري عكس إحساسي الفني. لأن هذا الأخير يأخذني دائماً إلى درب الصدقية في العمل، وهو بالنسبة لي أمر أساسي جداً في صناعة السينما".

وعما إذا كانت لديه نية بتحويل انفجار مرفأ بيروت إلى مادة سينمائية في مشاريعه اللاحقة يقول: "في أحداث كهذه أعتبر نفسي مواطناً أوّلاً قبل أن أكون مخرجاً وربما كنت أكثر حظاً بقليل من سواي لأن الأضرار التي تعرّضت لها كانت خفيفةً نسبياً. ولكن الانفجار شكّل من دون شك ضربةً قويةً لنا. وأجد أن المسافة الزمنية مطلوبة في الأحداث المماثلة، لكي نتمكن من تكوين شيء ما يكون أبعد من مجرّد تسجيل للحدث. ويمكنني القول إنه بعد مرور الوقت أصبح لدي أكثر من فكرة في هذا الإطار". ويرى أنه يجب أن "نخرج من الكليبات المصوّرة والبكائيات وأن نُظهِر للعالم عملية الإعدام التي حصلت بحق المدينة وأهلها لكي نعبّر عن الحدث بكامل مأساويته وإجرامه...".

وعن خطوة منصّة "نتفليكس" أخيراً بتخصيص مساحة للأفلام اللبنانية يكشف أنه تمّ التواصل معه تمهيداً لضمّ أفلامه إلى الأعمال اللبنانية المتاحة عبر المنصّة فيما عدا فيلم "غود مورنينغ" بسبب حقوق توزيعه ويرى أن "هذه الخطوة مهمّة نظراً لتضاؤل الإقبال الجماهيري على صالات السينما التقليدية ما يجعل الأفلام متاحةً رقمياً للعالم كلّه ويتيح لأفلام مهمّة فرصة عرضها على جمهور كبير، ولكنه في المقابل يقضي على صالات العرض التي لها سحر خاص لا يمكن استبداله".

وعن الجوائز التي تحصدها السينما اللبنانية في السنوات الأخيرة في المهرجانات الكبرى مثل مهرجان "كان" والبندقية، يعرب عن سعادته بهذه الجوائز "لأن كل فيلم لبناني ينجح في مهرجان عالمي لا ينتزع جائزة لنفسه فحسب، بل إنه يوفّر نوعاً من الدعاية لأي فيلم آخر، ويزيد الاهتمام بالفيلم اللبناني والسينما اللبنانية. ولكن لا يجب أيضاً أن نتوقّف عند هذه النقطة فهناك أفلام لا تذهب إلى (كانّ) ولكنها تكون ممتازة وعلينا أن نشجعها". 

المساهمون