بدأ الممثل والمخرج بشير الماجد مسيرته الفنية بفيلم "أحلام" (2006) لمحمد الدراجي، ثم انتقل الى الإخراج، قبل أنْ يشارك معه في "ابن بابل" (2009). أخرج أفلاماً قصيرة، كـ"تقويم شخصي"، الذي لفت إليه أنظار الجمهور والنقّاد. لكنّه وجد التمثيل أنسب، لإمكاناته الفنية، فمثّل في الروائي الطويل "الطائر" و"كراديفا الناهضة". تفرّغ لاحقاً للحصول على الـ"ماجستير" في السينما، قبل مشاركته في "دويرة"، الفائز بجوائز في مهرجانات مختلفة، وفي "شتاء داوود" لقتيبة الجنابي.
عن "دويرة" ومسائل سينمائية مختلفة، التقته "العربي الجديد".
(*) ماذا عن "دويرة"، الذي تشارك في بطولته؟ ماذا عن أسلوبه وإخراجه؟
الفكرة الأساسية كامنةٌ في إدانة مطلقة لأفعال الحاكم الديكتاتور، وما يتفرّع منها. اعتمد مخرجه سيف صباح أسلوباً فانتازياً سوريالياً، يمتاز به في غالبية أفلامه، رغم قلّتها.
(*) الفيلم رعب، يعتمد أسلوباً سوريالياً، وتكثيفاً بالرموز والإيحاءات المخزونة في الموروث الاجتماعي العراقي. هذا موضوع لم تألفه السينما العراقية. ما سبب ذلك؟
سيف صباح من الشباب المثابرين، الذين يفكّرون دائماً بتقديم نمط مختلف من الأفلام. هذا ينجح أحياناً، ويخفق أحياناً أخرى. فأي تجديد يتعرّض حتماً لانتقادات كثيرة. لكنّه وضع هذا التغيير في النمط والأسلوب موضع النتاج الذكي والواعي، أحد أساسيات الوعي السينمائي، فيقدر حينها على الدفاع عن مشروعه، وتحقيق مساحة كبيرة من الإقناع. رغم أنّ هذا شكلٌ جديدٌ في السينما العراقية.
لكنْ، هناك قناعة بأنّ الواقع السياسي العراقي، في عموم حِقبه الزمنية، لا يمكن تصويره بواقعية مجرّدة، لاقترابه من الخيال، بل أغرب من الخيال.
(*) "جائزة الأسد الذهبي" في الهند أول الجوائز التي حصل عليها الفيلم. هل هناك مهرجانات أخرى سيُشارك فيها؟
نعم، "جائزة الأسد الذهبي" أول جائزة في أول مشاركة. المشاركة الأولى لأي فيلم تخلق مشاعر مختلفة، وترقّب وانتظار مزعج، لأنّ الفيلم بين أيدي لجنة تحكيم، وفريق العمل يتوق إلى معرفة مستواه من المُحكّمين، لا سيما أنّ للمهرجان شأناً ليس قليلاً.
الجائزة أوجدت فرحاً واطمئناناً بأنّنا صنعنا شيئاً ذا قيمة، وتوالت بعده دعوات إلى المشاركة، فأرسلت الفيلم إلى مهرجانات عدّة، لم ترفض مشاركته في مسابقاتها الرسمية.
(*) أخرجت أفلاماً قصيرة، لكنّ الجمهور عرفك كممثل. ماذا عن تجربتك مع الأفلام القصيرة؟
بدأت ممثلاً، ودرست الإخراج، وأنجزت أفلاماً قصيرة، أعجبت المُحكّمين والجمهور، ونالت جوائز، كـ"تقويم شخصي"، الذي فوجئت حقاً بمقدار قبوله وتقييمه، والجوائز الحاصل عليها. أحياناً نُنتج أشياء، نعتقد أنّها صغيرة، لكنّ الآخرين يرونها كبيرة.
(*) مثّلتَ في أحلام" و "ابن بابل" لمحمد الدراجي، وأيضاً في التلفزيون؟ هل ترى التمثيل تعبيراً أبرز عمّا تمتلكه من موهبة؟
نعم. في التمثيل، لا أجد نفسي موهوباً، فهناك سحرٌ يُغلّف كياني، وأشعر أنّي أحلّق في فضاء خارج وعيي، وعندما أستيقظ، أشعر بالانكسار والوحدة. للأسف، لا يستخرج المخرجون جميعهم هذا المُكوّن، الذي يرتفع به أداء الممثل. ولأنّي مخرجٌ أيضاً، حين أشارك كممثل، تصادفني أخطاء إخراجية كبيرة، أحاول، بطريقة أو بأخرى، أنْ أغيَّرها من دون أنْ يتحسّس المخرج. لكن البعض ينزعج، ويعتقد أنّه المسؤول الوحيد عن الفيلم، سلباً أو إيجاباً. هذا خطأ فادح، يقع فيه الكبار قبل الشباب.
العكس واردٌ أيضاً، حين يكون المخرج شابّاً، في تجاربه الأولى، وأمامه ممثل كبير، عُمراً وفنّاً، فيجد صعوبة في قيادته، وإنْ يتعاون معه لإنتاج نجاح مشترك.
(*) أراك مُقلاً في أدوارك التلفزيونية والسينمائية. لماذا؟
هذا صحيح. بالنسبة إلى السينما، الإنتاج قليل جداً، بسبب عدم وجود شركات إنتاج سينمائية محترفة، وقادرة على الإنتاج في أي ظرف. طبعاً، الحروب والاقتتال الداخلي أثّرا كثيراً في الإنتاج. هذا أوجد مخاوف كبيرة لدى الشركات الأجنبية. قلّة الإنتاج أول ما ينعكس على الممثل.
بين "أحلام" و"ابن بابل"، هناك 5 أعوام. طبعاً، وجدت رغبة كبيرة لدى محمد الدراجي في مشاركتي في فيلمه الثاني، وإلا لطال الوقت أكثر. في الدراما، لم أجد مخرجاً يبحث عن ممثل يناسب الشخصية المكتوبة في نصّه، فالاختيار يتمّ وفقاً لعلاقة المخرج ـ المنتج بالممثل. أحياناً، يعتمد اختيار الممثل على ما يُقدّمه من مبلغ في قيمة عقده. إذا رُفض، هناك العشرات غيره. للبعض وسائل ناعمة.
في أول عمل درامي لي، كان دور بطولة في "غربة وطن" (30 حلقة)، تأليف عبد الكريم السعدي، وإخراج جلال كامل. حصل هذا بعد اقتناع كامل بترشيحي، فاضطرّ لتغيير مواقع ممثلين وممثلات، بمن فيهم زوجته الفنانة سناء عبد الرحمن. هذا يُحسب للمخرج طبعاً. لكنْ، في تجربتي التلفزيونية الأخيرة، كنتُ مسؤول الـ"كاستينغ" في مسلسل "آمرلي"، فاخترت ممثلين غير ما اعتادوهم، وشاركت كممثل رئيسي.
(*) حصلتَ على ماجستير في "كلية الفنون". هل ترى أنّ الممثل يحتاج إلى درجة علمية كهذه ليستمرّ؟
لا طبعاً. لكنْ، ضروري للممثل والمخرج أنْ يسعيا إلى التعلّم والاطّلاع، وأنْ يتثقّفا ويُلمّا بالفنون والآداب. إنّ السينمائي هو الفنُّان الوحيد الذي يجب أن يكون مُلمّاً بالفنون كلّها، لأنّ هذا الفن يتشكّل منها. كذلك القصة والرواية، لأنّهما مادته الأساسية. الدراسة العليا تتيح لـ"الممثل ـ المخرج" التعرّف على التجارب العالمية، وهما مُطالبان بتحليل عيّنات منها. هذا، بحدّ ذاته، تنمية فنية كبيرة. فبمجرّد الغوص في هذه التجارب يكتسب الفنان بُعداً تحليلياً لأعماله أيضا. تنعكس التجارب إيجابياً على الفنان، فثقافة الفنان وعلمه أساسيان في تطوير طاقاته وتثويرها، وجعلها أنضج.
من خاصيات الدراسات العليا، أنْ تجعل الفنان السينمائي ناقداً أولاً لأعماله، عند وضعها في الميزان الأكاديمي. فلا فنّ يأتي من الصدفة، وإنْ يحصل هذا، فسيتوقّف، عاجلاً أم آجلاً.
(*) برأيك، ما المشاكل والعوائق التي تعترض الانطلاقة القوية للسينما العراقية؟
السينما فنّ جماهيري، ومن دون المتلقّي لما نهضت، وأصبحت من أكثر الفنون انتشاراً. السينما لا يحدّها مكان أو زمان، وهذا لا تجده في الفنون الأخرى، إذْ يُهيمن على كلّها مكان محدّد لعرضها. ففي وقت مُشاهدة متلقٍّ أجنبي فيلماً، يُشاهده متلقٍّ عراقي في الوقت نفسه، عبر وسائل تواصل عدّة. هذا يفتقده المسرح والفن التشكيلي والموسيقى.
أهمّ حلول مشاكل السينما العراقية وانطلاقتها، والمعوقات التي تعترضها، كامنةٌ في إيجاد بُنى تحتية لهذا الفن. كم تمنّيتُ لو أنّ الأموال المصروفة على إنتاج أفلام في "بغداد عاصمة الثقافة العربية" خُصِّصت للبُنى التحتية، ولتأهيل دور العرض المهملة، التي عزف الناس عنها لأسباب عدّة، منها فترة الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي، ووسائل توفير الأفلام إلكترونياً، رغم أنّي أجد هذا الأخير غير مؤثّر، لو توفّرت دور عرض مؤهَّلة جيداً لاستعادة ثقافة المشاهدة السينمائية التي اعتدناها.
(*) كيف ترى المشهد السينمائي العراقي الآن؟
حقيقةً، إنّه مُفرح. فالتجارب السينمائية الشابّة تتوالى، ويجدر الاهتمام بها، وتُحقّق إنجازات طيّبة بمشاركتها في مهرجانات سينمائية مرموقة، عربياً وعالمياً.
لكنْ، للأسف، المؤسّسة الرسمية المعنية بهذا الفن لا تُقدّم ما يتناسب وحاجاته المادية. هناك تبديد للأموال، والعلاقات والمحسوبيات تتدخّل في إنتاج أعمال ليست بالمستوى المطلوب. إحدى أهم المشاكل، عدم اختيار شخصٍ مختصّ ونزيه لإدارة الملف السينمائي. لكن، عموماً، هناك إنجازات مرضية إلى حدّ ما، أتمنّى المزيد منها، حتماً.