لا جديد يُقدّمه الفيلم الوثائقي Framing Britney Spears، الذي أنتجته الصحيفة الأميركية "نيويورك تايمز"، حول محطات انهيار "أميرة البوب الصغيرة"، بريتني سبيرز. لكنّه تأكيدٌ على أنّ النساء، في الأمكنة كلّها، يتوهّمن النجاة، لكنْ ولا واحدة منهنّ تنجو.
جيمي سبيرز هو الوصي القانوني على ابنته منذ عام 2008، حين كانت في الـ26 من العمر، وشكّل انهيارها مادة دسمة لمُصوّري الـ"باباراتزي" ومُحبّي الفضائح. حالياً، تكافح سبيرز (39 عاماً) أمام القضاء الأميركي لإنهاء هيمنته على ممتلكاتها وأموالها، وحياتُها معلّقة بانتظار "خلاصها"، إذْ لن تُقدّم عروضاً غنائية طالما بقي في دوره هذا. في الوقت نفسه، تنشط حركة "حرّروا بريتني"، التي تطالب بإعتاقها، وتستمدّ نظرياتها المزعومة من "رسائل مبطّنة"، تستجدي بها سبيرز عبر حسابها على "إنستغرام".
يمرّ الوثائقيّ على هذه المحطات. تُغطّي "نيويورك تايمز" هفوة تركيزها على حركة "حرّروا بريتني"، باستضافة محامين عاينوا القضية عن قرب، والصديقةِ القديمة للعائلة فيليشا كولاتا. أكثر ما يصدم فيه الدور الذي لعبه الإعلام في تراجيديا فنانة تَربّح ــ حرفياً ــ من معاناتها.
في الـ11 من عمرها، تُغنّي سبيرز في برنامج "البحث عن نجم (Star Search)". يسألها المقدّم إدْ ماكمان (1923 ــ 2009) إنْ كانت تواعد صبياً. ترد بـ"لا"، لأنّ "الرجال جميعهم لؤماء". في الـ17 من عمرها، يقول لها المقدّم إيفو نييهي: "موضوعٌ واحد لم نناقشه بعد، والجميع يتحدّثون عنه: ثدياك". في الفترة نفسها، تُسأل في مؤتمر صحافي إنّ كانت عذراء. في الـ22 من عمرها، تستجوبها ديان سوير عمّا فعلته (مؤكّد أنّها فعلت شيئاً ما) لتؤذي وتكسر قلب حبيبها السابق جستن تمبرليك، ثم تخبرها أنّ زوجة حاكم "ماريلاند" حينها هدّدت بإطلاق الرصاص عليها، وهذا "أمر مفهوم لأنّها أمّ قلقة على أطفالها". تحضر أيضاً في برامج المسابقات، حيث يتبارى المشاركون لذكر 10 من خساراتها: زوجها، وطفلاها، وشعرها... وعقلها.
مَشاهد كثيرة تظهر فيها محاصرة بمُصوّري الـ"باباراتزي"، الذين كانت تتكئ عليهم ويتّكئون عليها، في عزّ صعود صحف الفضائح والنميمة، علماً أنّها واعدت واحداً منهم، وفقاً للبورتريه الأفضل عنها، الذي نشرته مجلة "رولينغ ستون" عام 2008. تُعرَض لقطات لطفلها في حضنها أثناء قيادتها السيارة، وأخرى لها وهي تدور حول منزل طليقها كيفن فيدرلاين، حين كانت تحاول رؤية ولديها اللذين حرمها القضاء منهما. تلتقطها عدسات مُصوّري الـ"باباراتزي" وهي تحلق شعرها، ولاحقاً أثناء مهاجمتها سيارة أحدهم بمظلّة.
يستعيد الوثائقي هذه المشاهد المُرهقة، وتغيب عنه مَشاهد أخرى، استغلّها الإعلام حين أعلن بريتني سبيرز مجنونة: خروجها للسهر مع باريس هيلتون (التي كانت تُلقّب سبيرز بالحيوان، لأنّها لا تفكر قبل أن تتصرف) وليندسي لوهان؛ ظهورها بسروالٍ تحتيّ أبيض عليه دماء دورتها الشهرية؛ حوامات القنوات التلفزيونية وجحافل المُصوّرين الذين هرعوا لتصوير انتحارها، قبل أن يخيب أملهم؛ المرّات الكثيرة التي باعها فيها مقرّبون لمجلات المشاهير طمعاً بالمال.
لكنّ الإعلام لم يعلن سبيرز مجنونة منذ البداية، بل أرادها أولاً المُراهقة الشقراء اللعوب، أو "لوليتا" الأميركية؛ من تغنّي عن الجنس ولا تقربه. من تغري ناظرها وتحافظ على عذريتها. من تقول إنّها "ليست بهذه البراءة"، لكنّها بريئة أكثر. تهافت على جمالها، ثم حاسبها على "إثارتها المبكرة".
الآن، يهبّ الإعلام والمحبّون من الجمهور مُجدّداً، ولو عن حسن نية، لإنقاذ بريتني سبيرز، فيفسّرون "نداءات استغاثة مبطّنة" تُرسلها عبر "إنستغرام"، آملين في إعتاقها من وصاية والدها، لتكون تحت وصايتهم ربما. تقول ناشطة في حركة "حرّروا بريتني": إذا طلبت نجمة الـ"بوب" منهم تركها وشأنها، سيفعلون. أشكّ.
إذاً، تحاول بريتني سبيرز الآن الإفلات من وصاية والدها، الذي يقاتل للحفاظ على دوره هذا، بأموالها أصلاً، التي تُدفع لمحاميها ولمحامي خصمها. لا تقرب المسرح والغناء، شغفها، لأنّ نظاماً كاملاً اتّفق على عدم أهليّتها لاتّخاذ قرارات تخصّ حياتها وحدها.
هذه بريتني سبيرز، التي باع ألبوماها الأوّلان أكثر من 39 مليون نسخة. هُيّئ لكثيرين، في لحظات التفاهة الجليّة، أنّ ما تعانيه سبيرز سببه سلوكها وجموحها وخروجها عن "الخط القويم"، واستهتارها وسعيها وراء الفضائح، وإلا فلا حاجة إلى وصاية والدها عليها. يتناسون نساء كثيرات لم يحدن عن خطّهم هذا، لكنهنّ كُنّ يُضرَبن من الوالد، "الوصي" طبعاً، رغم المجد والشهرة و"العفاف" الذي غلّفت فيه مسيرتهن. أم كلثوم، مثلاً؟ ("الهوى دون أهله"، حازم صاغية)، وأخريات عُنّفن وسُلبن الفضل مراراً عن كل ما حقّقنه، وما إنْ خرجن من "وصاية" الزوج، حتى دخلن في "وصاية" الابنة.
هؤلاء، مع عظمتهنّ وشهرتهنّ وأموالهنّ، لم يفلتن من ضرب ووصاية وتقويم. فمن هي التي نجت فعلاً؟ لا واحدة منهنّ، فالنجاة وهم.