يسلط برنامج "عرب Beats" الذي يُبث على قناة العربي 2 الضوء على مجموعة من رواد موسيقى الأندرغراوند في العالم العربي. هذا النوع من الموسيقى ليس جديداً على منطقتنا العربية، فهو حاضر منذ أكثر من عشرين عاماً، لكنه كان بعيداً عن الأضواء. في السنوات الأخيرة، أصبحت كل فرقة أو فنان امتهن ذلك النوع من الموسيقى البديلة يجذب الآلاف من المستمعين، حتى أصبحت حفلاتهم تحتشد بأرقام أكبر بكثير من تلك الموجودة في حفلات الفنانين التقليديين.
هذه الموسيقى لن تكون فقط تحت الأضواء، ولكنها ستأخذ حيزا كبيرا في المشهد الفني العربي في السنوات المقبلة. لذلك، كان من المتوقع أن تفرد لها قناة العربي 2 برنامجاً خاصاً بها، باعتبارها موسيقى غنية، سواء من ناحية الموضوع أو الشكل والمضمون.
وبحسب تصريحات معد ومقدم البرنامج إيلي عرموني، لـ"العربي الجديد"، فإن "مستقبل الفرق العربية هو لتلك المواهب التي أنتجت نوعاً خاصاً بها، ومختلف كلياً عن موسيقى البوب العربية السائدة التي عايشناها لسنوات، أصبحت مواضيعها المختلفة جداً هي التي تجذب وتهم العالم أكثر من قصص الحب المُغنّاة عادة. فمواضيع الأغاني شخصية أكثر، لكن أصبحت القضايا العالمية التي نعايشها يومياً مواضيع مهمة كثيراً تجذب ليس فقط الجمهور الشبابي، وإنما الجمهور الأكبر سنّاً كذلك".
الهدف من البرنامج ليس فقط تسليط الضوء على مغني تلك الفرق وعلى موسيقاهم، بل أيضاً على قصصهم، لأن معظم تلك الفرق لديها قصص ملهمة ومؤثرة. يقول إيلي عرموني: "كثير من البرامج التي تستضيف مثل تلك الفرق تركز فقط على إنتاجها من الموسيقى، من دون الغوص في قصصهم: كيف بدأوا؟ ما الذي جعلهم يشكلون الفريق أو يألفون تلك الأغاني والسبب الذي جعلهم يعتمدوا على هذا النوع من الموسيقى؟".
هناك كثير من الأسماء التي ناضلت وكانت تعاني من مشاكل شخصية كثيرة، لكنهم استخدموا مشاكلهم كوسيلة لينجحوا ويستمدوا القوة منها، مثل مغني الراب الفلسطيني ليث الحسيني والمعروف بـ"سينابتيك" الذي أصيب منذ صغره باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، وهي حالة عصبية تستدعي أخذ عدد من الأدوية، من بينها "ريتالين" الذي أجبره على ملازمة المنزل لفترات طويلة بسبب القلق. وفي نفس الوقت، كان عنوان أبرز أغنيات ألبومه الأول "إم الموجات".
في كل حلقة هناك على الأقل قصة وحدة على الأقل لألبوم، كصورة "الحاووز" على ألبوم "لطلوع الضو" الذي يعبر عن رحلة المغني محمود ردايدة من فرقة جدل (الأردن) مع والده إلى "الحاووز" الذي كان يلعب بجانبه عندما كان صغيراً، وفي نفس الوقت يحمل الألبوم نفسه رسالة لوالده المتوفي. هذه الأغنيات غالباً ما تشتبك مع وقائع الحياة اليومية ومشكلاتها وقضاياها، كأغنية "بطل خارق" التي تتكلم عن أولئك الذين يذهبون يومياً إلى العمل، وما يواجهونه يومياً من ضغوط. ربما يعتبرون أنفسهم أشخاصاً عاديين، ولكنهم بحسب فرقة "هوس" (مصر) هم أبطال خارقون.
من الناحية الموسيقية، هناك أنواع مختلفة من موسيقى الأندرغراوند. استطاعت هذه الفرق كسر العديد من الحواجز من خلال تقديمها لصوت مختلف يبتعد عن موسيقى البوب السائدة في العالم العربي التي لم تتغير هي أو وجوه مطربيها منذ 20 أو 30 عاماً، على عكس فرق الأندرغراوند التي استطاعت أن تشق طريقها من خلال دمج الموسيقى الشرقية بعوالم غربية أثرت بهم، من البوب للروك والجاز والإلكترونك والصول. وكذلك، التمرد من خلال الكلمات التي خرجت أخيراً عن موضوعات الحب والقصص العاطفية، واستعانت بمواضيع تتطرق لقضايا تتعلق بالسياسة والمشكلات الاجتماعية، أو حتى طرح الموضوعات العاطفية من خلال منظور أكثر واقعية، يتداخل مع رؤية جمهورهم للعلاقات العاطفية ومشاكلها، بعيداً عن تلك المليودرامية والعاطفية المفرطة التي ترسم ملامح موسيقى البوب في العالم العربي.
تلك الفرق لا تحصر نفسها في إطار معين، فمن الممكن أن تتأرجح من كونها كوميدية كفرقة "بهججة" (مصر) التي تسعى إلى إحياء القالب الكوميدي الموسيقي الغنائي (المونولوغ)، وتقديم أغان معاصرة خفيفة وفكاهية مرتبطة بالحياة اليومية في مصر، إلى فرقة "شكون" (سورية) التي قدمت أغاني من وحي تجارب شخصية، عكست معاناة كثيرين في سورية والعراق وأفريقيا، ممن اضطروا إلى هجرة بلادهم، للبحث عن حياة أفضل، وما تعرضوا له من تجارب قاسية هناك.
هذا التغيير على مستوى الفن المقدم، أظهر هذه الفرق أكثر جرأة على مواجهة المجتمع، وكسر كثيراً من محاذيره، ولم يكن ليتكرس لولا اعتماد تلك الفرق على نفسها في مجال تمويل أغانيها بعيداً عن إملاءات شركات الإنتاج. هناك نسبة ضئيلة من هذه الفرق تتعامل مع شركات إنتاج عادة تكون متخصصة بنوع موسيقاهم. ويرى عرموني أن "فكرة اعتماد جزء من هذه الفرق على شركات إنتاج ليس دقيقاً لأن معظمهم لا يعتمد على شركات إنتاج، بقدر ما يمكن تسميتهم بشركات متخصصة لمساعدتهم في إدارة أعمالهم، وهذا شيء صحي تماماً، بل ويجب أن تقوم به جميع الفرق، لأنها بحاجة إلى طرف محترف يتعاون معها، حتى تستطيع التفرغ لصناعة موسيقاها، فاعتمادها على شركات تنظيم أو إدارة، لا يتضارب مع مفهوم الموسيقى المستقلة".
عرضت الحلقة الأولى من البرنامج في 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، حضرت فيها فرقة "السد العالي" (مصر) التي تسلط الضوء على الأغاني النوبية، كما استضاف في حلقات أخرى عدداً من مغنّي الأندرغراوند، مثل طارق أبو كويك المعروف بـ "الفرعي" (الأردن/فلسطين)، إلى جانب فرق مثل "رند" (لبنان) و"باب البلوز" (المغرب) و"يوما" (تونس) و"رست" (ثنائي سوري لبناني) و"أدونيس" (لبنان).
يعرض برنامج "عرب Beats" الاثنين من كل أسبوع على "العربي 2"، عند الساعة السابعة مساء بتوقيت القدس، والخامسة مساء بتوقيت غرينتش.