"برلين السينمائي 74": كيف تُختَار الأفلام؟

26 فبراير 2024
"داهومي": تسجيلٌ بصري لا سينما وثائقية (الموقع الإلكتروني للـ"برليناله 2024")
+ الخط -

 

3 أفلام، مُشارِكة في المسابقة الرسمية للدورة الـ74 (15 ـ 25 فبراير/ شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي (برليناله)"، تُثير رغبةً في كتابةٍ عن مفهوم الفيلم الوثائقي، الذي (الفيلم) يُسمّى غالباً، منذ سنين عدّة، "الفيلم غير الروائي"، لأنّه يُبنى على مزيج التوثيق والتخييل، وهناك إضافات تقنية وفنية، بينها التحريك.

الأفلام الـ3 تلك تراوح بين توثيقٍ تسجيلي، بالمعنى التقليدي للمفردة ("داهومي"، للسنغالية الفرنسية ماتي دِيوب)؛ والانصراف إلى خليطٍ يصنع التباساً لا علاقة له بإبداع صُور وتعبير وسرد، إذْ يكشف الالتباس غموضاً غير مُريح وغير مُفيد في صُنع تلك الصُّور والتعابير والسرد (Pepe، للدومينيكاني نلسون كارلو دي لوس سانتوس أريوس)؛ والاشتغال الحِرفي، المتحرّر من كلّ قيد بصري في إنجاز مُنتج سينمائي، من دون تفلّته كلّياً من منهجٍ وسياق يؤدّيان، في النهاية، إلى كشفِ الحاصل سابقاً، والحاصل سابقاً مُحمَّل بكمّ جميل وقاسٍ، في آنٍ واحد، من التقنيات الفنية والدراما المبطّنة، إلى جماليات بصرية مُدهشة، والكمّ هذا منبثقٌ أساساً من وقائع وحقائق ("معماريّ"، للروسي فكتور كوسّاكوفْسْكي).

سؤال يُطرح، لانبثاقه من عدم إدراك سبب اختيار فيلمين من تلك الأفلام ("داهومي" وPepe) في مسابقة رسمية لمهرجان دولي، مُصنَّف فئة أولى، علماً أنّ "داهومي" فائزٌ بـ"االدبّ الذهبي لأفضل فيلم"، وPepe حاصلٌ على "الدبّ الفضّي لأفضل إخراج. سؤال كهذا مطروحٌ أيضاً إزاء أفلامٍ أخرى، مُشاركة في المسابقة نفسها، والمُشاهَدة تقول إنّ أفلاماً كهذه غير مستحقّة عرضاً دولياً أول في "مهرجان برلين"، وفي أي مهرجان دولي أول أو ثانٍ.

 

 

فـ"داهومي" مثلاً تقريرٌ تلفزيوني، فيه لقطات تدّعي اشتغالاً سينمائياً، لكنّه متواضعٌ، يُسجِّل تفاصيل حدثٍ مرتبطٍ بتاريخ وذاكرة، وبصراع، وإنْ يكن خفيّاً، بين بلدٍ ومستَعْمِره السابق، من خلال متابعةِ استعادةٍ "مُجتزأة" لتماثيل قليلة العدد، من البلد المستَعْمِر (فرنسا)، إلى البلد المستعمَر سابقاً (ممكلة داهومي، المعروفة حالياً بـ"جمهورية بينين"). وPepe، اسم أول وآخر فرس نهر يُقتَل في منطقة تُعرف بـ"قارة النصف الغربي للأرض" (بين المحيط المتجمّد الشمالي وخليج "هورن" في جنوب القارة الأميركية)، يحاول إيجاد متنفّس سينمائي، فيفشل غالباً، وبعض السينما فيه غير قادر على انتشاله من بهتان الصورة رغم أهمية النصّ، وأهمية النصّ حاضرة في "داهومي" أيضاً، كما في "معماريّ".

لكنّ "معماريّ" (Architecton) لا يُشبه، سينمائياً، الفيلمين الآخرين. فالسينما، تصويراً وتوليفاً والتقاط مشاهد محدّدة بجمالية بصرية رائعة، مُتمكّنةٌ من تحويل البسيط والعادي والمتداول إلى نصٍّ مشغول بصُور، تقول أكثر بكثير مما يتردّد من كلامٍ عابر، قبل أنْ يكشف حوار مقتضب، في خاتمة الفيلم، عن مسائل عميقة ومهمّة، لها علاقة بعمارةٍ وكسّارات وآثارٍ (وكيفية صُنعها)، بين المخرج كوسّاكوفْسْكي، وميكَالي دي لوكي، المُصمّم والمهندس المعماري الإيطالي، المهموم بعمارة وآثار (بينها آثار بعلبك في لبنان)، وبكونهما فنّاً لا مجرّد أحجار.

أفلامٌ كهذه تتناقض في شكلها السينمائي. اختيار بعضها في مسابقة رسمية لمهرجان دولي غير مفهوم. أمْ أنّ الاختيارات غير السليمة دائماً سمة "مهرجان برلين" في الأعوام القليلة الفائتة؟

المساهمون