ثمة ما يُبشّر في الأردن، على الأقل على صعيد المراجعات الرسمية لدور السينما والدراما التلفزيونية، في بناء الصورة وإعادة إنتاج الدور والوظيفة، وهو في الأردن أمني منذ سنين طويلة، وبدوي على صعيد الصورة، على الرغم من أن واقع الناس في حياتهم وأعمالهم ومأكلهم وملبسهم يقول بأن المجتمع قطع مع صورته القديمة التي أنتجتها الدراما التلفزيونية في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته.
وهي صورة ظالمة، ذلك أنها تختزل شعباً كاملاً في صورة تكاد تكون ثابتة ومنمطة. فالشعب الذي يتكون من البدو، وهم جزء أصيل منه، ومن فلاحين وأبناء مدن، ترك قيادته لنفر من الساسة وصنّاع الدراما الذين لا يريدون تغيير صورته بل تأبيدها: مرة لأن ذلك ينشئ معادلات سياسية يمكن التحكم بها وإدارتها وتوجيهها، وأخرى، لأن المستهلك أو الجمهور المستهدف (دول الخليج) يُقبل على هذه البضاعة، حيث المجتمعات تتصارع على الماء والكلأ، وثمة شاعر يعشق ويرتجل القصائد في حب معشوقته البدوية، الفاتنة غالباً على الشاشات، التي لا تعاني من تسوّس الأسنان ولو مرة واحدة في مشهد يتيم في الدراما التلفزيونية.
مع حرب الخليج والتغييرات العاصفة التي ضربت المنظومة العربية السياسية إذ ذاك، ولاحقاً بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، واستقبال الأردن موجات جديدة من هجرات الجوار، وجد الأردن نفسه أمام حقائق جديدة منها ضرورة إعادة إنتاج صورته في العالم والإقليم بما يجدّد الحاجة إليه. والأهم ربما بما يعكس صورته الحقيقية ويلبي حاجات طرأت ونشأت في المجتمع ولم تجد من يعبّر عنها ويرصد تداعياتها ويستشرف توجهاتها المستقبلية. وذلك ما يفسّر الشعور بالغضب الذي ينتاب العاملين في الدراما والثقافة عموماً، فلماذا نتراجع ويتقدم الآخرون من حولنا؟ ولماذا لا تتاح لنا فرصة إنتاج روايتنا عن أنفسنا بينما تتاح الفرصة لذلك بسخاء في دول الجوار، وبعضها مُحاصر مثل سورية؟ ولماذا لا تتحرك الحكومات فتدعم هذا القطاع الذي يفترض أنه أحد قواها الناعمة؟
تساؤلات كانت تُطرح على استحياء في البداية، ثم أصبحت تُطرح بصوت عال وبغضب يتزايد في السنوات القليلة الماضية، فالمواهب تهاجر أو تبحث عن فرص عمل في الخارج، في الدراما المصرية تحديداً التي تمتاز بضخامة الإنتاج فيها وكثرته، وهكذا أصبح ممثلون مثل إياد نصار، وصبا مبارك، ومنذر الرياحنة، وصفاء سلطان جزءاً من الدراما المصرية، وإذا طال بهم العهد هناك فسيصبحون مصريين تماماً مثل أجيال كثيرة من الفنانين العرب ممن احتضنتهم مصر وأصبحوا علامات عليها وفيها.
الرد الحكومي الأردني جاهز دائماً، فالميزانية لا تسمح بترف الانخراط في صناعة الدراما، فلمَ لا يبادر القطاع الخاص للاضطلاع بالمهمة، والأخير يريد ربحاً مضموناً، أي التحوّل إلى منتج منفذ، وهو ما حدث لمرات قليلة، بإنتاج أعمال درامية لصالح التلفزيون القطري، وهو ما لا يتوفر دائماً بسهولة ويسر، فما الحل؟
بدأ الأمر بمغامرات فردية لشبان يتمتعون بمواهب حقيقية، لا تريد أن تُستنزَف في دوامة المنتج الجبان والحكومات المترددة، وبدعم أو بغطاء من الهيئة الملكية للأفلام التي وفرت الدعم، وهو ليس كبيراً، لنحو 150 فيلماً طويلاً وقصيراً، الأمر الذي أتاح الفرصة لبعض شبان السينما تحديداً وليس الدراما التلفزيونية، للمغامرة وإنتاج عدد من الأفلام التي أثارت الجدل في السنوات القليلة الماضية، وأغلبها إنتاج مشترك، مثل أفلام "فرحة" و"بنات عبد الرحمن" و"الحارة" و"إن شاء الله ولد".
وبفضل هؤلاء الشبان أصبح تعبير السينما الأردنية يتردد أخيراً بعد موات، ووصل الأمر إلى مناقشة بعض الأفلام التي أنتجوها تحت قبة البرلمان. لكن ما ينطبق على السينما لا ينطبق على الدراما التلفزيونية، فأنت تستطيع أن تغامر بإنتاج فيلم بكلفة نحو مائة ألف دولار، لكنك لا تستطيع إنتاج دراما تلفزيونية ناجحة ومنافسة بهذا المبلغ، فالدراما التلفزيونية مكلفة أكثر وتتطلب وقتاً أطول.
أما ما يُبشّر على صعيد توفير البنية التحتية لمن يريد أن يغامر فقد أُعلن عنه أخيراً برعاية ملكية، وهو افتتاح مجمع استديوهات ضخم ومتخصص بصناعة السينما والدراما، ويحتوي على استديوهيْن ضخمين وورش متخصصة لبناء الديكورات وسواها، والمأمول أن يشكل هذا خطوة لإغراء شركات الإنتاج المحلية بل وقنوات التلفزة أيضاً لنفض التراب عن الإنتاج الدرامي الأردني بعد سنوات طويلة من الغياب المؤسف والفادح.