باسل المقوسي: شظايا" من الفحم على أوراق بيضاء

13 مارس 2024
باسل المقوسي أمام خيمته بعد إنجازه الرسومات عليها (فيسبوك)
+ الخط -

نشر الفنان التشكيلي الفلسطيني باسل المقوسي من محل إقامته في خيمة بمدينة رفح، صوراً له، (يوم الحادي عشر من مارس/آذار 2023)، أمام الخيمة، كاتباً عبر صفحته الرسمية في "فيسبوك": "خيمتي ملوّنة"، مشيراً إلى تحويلها إلى عمل فنّي برفقة الفنان أيمن الحصري، استعاد عبره الألوان التي غابت عنه، أو غيّبها، منذ اندلاع عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي دخل شهره السادس.
منذ أن استقر المقوسي في خيمة في حي السطان بمدينة رفح، قبل قرابة ثلاثة أشهر، بعد رحلة تنقّل فيها بين عدّة جغرافيات داخل قطاع غزة بحثاً عن أمان أكثر له ولأسرته، بدأ يوثق بأقلام الفحم على ورق الرسم الأبيض يوميّات العدوان، من مشاهداته اليوميّة، وممّا يسمعه أيضاً.
وغادر المقوسي منزله في بيت لاهيا بعدما تعرضت المنطقة إلى قصف عنيف، متجهاً إلى حي الشيخ رضوان، ومخيم الشاطئ، وإلى مرسمه في محترف شبابيك للفنون المعاصرة، وهو أحد مؤسسيه، في حي الرمال بمدينة غزة. لكن كل هذه المناطق طاولها قصف الاحتلال، فتوجه وأسرته إلى خانيونس، حيث مكث خمسين يوماً عند صديق له، ليمضي وأسرته إلى رفح في أحد مراكز الإيواء، قبل أن ينصب خيمته التي تحولت إلى مرسم بشكل ما، حتى إن الخيمة نفسها باتت عبارة عن لوحة أقرب إلى جدارية من نوع مُغاير.
يشير باسل المقوسي في حديث إلى "العربي الجديد" إلى أنه بدأ بالرسم حين "استقر" بخيمته في رفح، لرغبته في "التخفيف من الضغط النفسي الذي يعتريه"، فبدأ يبحث في المدينة الجنوبية التي لا يعرفها عن مواد للرسم، حتى عثر على مكتبة ابتاع منها أقلام الفحم، وألواناً، ودفاتر رسم، ما أثار استهجان صاحب المكتبة، باعتبار أن الآباء يتجهون لشراء الطعام والشراب والاحتياجات الأساسية لعائلاتهم، ويقضون ساعات في البحث عنها.
وحول اتجاهه للرسم بالفحم، أكد باسل المقوسي أن محاولاته لتوثيق الحدث بالرسم باءت بالفشل، خاصة أنه فقد تلك النشوة التي كانت ترافقه، وتنعكس في ألوان لوحاته ما قبل العدوان، علاوة على كون الرسم بالفحم أقرب إلى طبيعة المرحلة التي يعيشها وكل سكّان قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وهو ما ينعكس في السماء الملبدة بالدخان جرّاء القصف المتواصل، والبيوت المدمرة وركامها، كما ينعكس في وجوه الناس التي باتت أقرب إلى السواد غضباً وبؤساً وإرهاقاً وشحوباً، علاوة على انعكاس سواد الفحم في حكاياتهم، ويوميّاتهم.
ومن وحي هذه اليوميّات والحكايات، رسم طفلاً يحمل حطباً أكبر بكثير من حجمه وقدرته على الاحتمال، وطوابير المياه التي تأخذ ممن يصطف فيها مساحات زمنية كبيرة، ليتمكن الطفل أو المرأة أو الشاب أو المسن من الظفر بالتعبئة بما تيسر من ماء، والنساء اللواتي يطهون ما أمكن طهوه داخل خيامهن، والازدحام الخانق في شوارع رفح التي بات يتكدس فيها ما يفوق عدد سكانها الأصليين بعشرة أضعاف أو يزيد، ومشاهد الأسرى في الشاحنات، أو الذين يتجمعون تحت تهديد سلاح جنود الاحتلال شبه عراة بهدف إذلالهم.
وعنون المقوسي هذه الرسومات بـ"شظايا" لافتاً إلى أن العنوان مستوحى من لحظة استهداف قوات الاحتلال أي منزل بالقصف، إذ يتناثر هو ومن وما فيه شظاياً، علاوة على كون الفلسطينيين في قطاع غزة تعرضوا للتشظي، وهو وعائلته عانوا في ترحالهم للعثور على مكان آمن.
يوضح المقوسي أنه في "شظايا" لا يرسم فقط يوميّات الحرب من مشاهداته، بل يرسم الكوابيس التي يستفيق وهو يختزلها داخله، علاوة على رسم كوابيس وأحلام أبنائه وأفراد أسرتيه الصغيرة والكبيرة.
ويشير المقوسي إلى أنه في الوضع الطبيعي ما كان ليرسم ما رسمه كمّاً، ففي أقل من ثلاثة أشهر، رسم قرابة 600 لوحة في دفاتر مختصة للرسم، ويلتقط لها صوراً بهاتفه المحمول، وينشر بعضها على صفحاته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، موضحاً أنه لا يفكر في تنظيم معرض أو ما شابه ذلك ممّا يرسمه في مشروعه "شظايا"، وإنما هذه الرسمات ليست سوى استمرار في الرسم لتفريغ ما في داخله من جهة، ورصد جزء من يوميّات الحرب التي يعايشها.
يقول باسل المقوسي إنه فقد كل أعماله التي نفذها منذ أكثر من عقدين، آملاً توقف الحرب، والعودة إلى حيث منزله المدمّر، والعمل في وقت لاحق على جدارية، سيكونها بعد دراسة ما رسمه، تحمل ذات عنوان مشروعه، لعلّها تتخذ من مدينة غزة مكاناً لها.

وحول ردود الفعل، لفت صاحب "شظايا" إلى أن العديد ممن يشاهدون لوحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي يؤكدون له أنها تعبّر عنهم، وعمّا عايشوه أو يعيشونه، في حين كان لأصدقائه من الإعلاميين في قطاع غزة، وبعضهم استشهد، دور الشراكة في تعميم رسوماته عالمياً، ما كان لها أثر كبير لدى الشعوب الغربية، خاصة مع انتشارها على وسائل إعلام أو صفحات فنية أجنبية متخصصة، مضيفاً: نحن نعيش حالة غير مسبوقة ليس على مستوى غزة في كارثيتها بل على مستوى العالم، وعلينا كفنانين توثيق لحظات الحرب، لنحافظ على إنسانيّتنا بالدرجة الأولى، وعلى علاقتنا بأنفسنا وأسرنا، وبغزّة خاصة وفلسطين عامة.
ولفت المقوسي أيضاً إلى أنه، وبالتنسيق مع مؤسسات ومراكز ثقافية، يستضيف، بين حين وآخر، أطفالاً في خيمته، إذ يفرّغون ويعبّرون عمّا في دواخلهم بالرسم، كلّما أتيحت الفرصة لذلك.

المساهمون