اليمين المتطرف يسحر الإعلام الإسرائيلي

اليمين المتطرف يسحر الإعلام الإسرائيلي

12 ديسمبر 2022
تحوّل زعيم حركة "المنعة اليهودية" إيتمار بن غفير إلى نجم إعلامي (فرانس برس)
+ الخط -

ساهمت وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل كبير في الترويج لأفكار اليمين الديني المتطرف، من خلال التوسّع في إجراء المقابلات مع قادة حركات وأحزاب هذا التيار، وتسليط الضوء على أفكاره وأيديولوجيّته.
وعند رصد أداء هذا الإعلام، يلاحظ الهامش الكبير الذي احتلّه اليمين المتطرف عشية وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة. فبعدما بقي رموز اليمين الديني اليهودي المتطرف على هوامش السياسة الإسرائيلية لسنوات، نجح الإعلام أخيراً في تحويلهم إلى وجوه أساسية ورئيسية على الحلبة السياسية ودوائر صنع القرار.
وقد لعب إقبال وسائل الإعلام على إجراء المقابلات مع زعيم حركة "المنعة اليهودية" الدينية المتطرفة إيتمار بن غفير، عشية الانتخابات، دوراً في تمكينه من الترويج لأفكاره بالغة التطرف من الصراع مع الشعب الفلسطيني، ما ساهم في نجاح حركته في مضاعفة عدد مقاعدها في الانتخابات الأخيرة سبعة أضعاف.
وحسب تقرير نشره موقع "شكوف"، الذي يعنى بتغطية وسائل الإعلام، فإنّ بن غفير حلّ في المرتبة السادسة في قائمة تضم 138 سياسياً، من حيث المساحة التي منحتها له قنوات التلفزة والصحف والمواقع. وحسب الموقع فإن بن غفير ذكر 4590 مرة في تغطيات وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية، وهو ما يفوق عدد المرات الذي حازها وزراء كبار في حكومة تصريف الأعمال الحالية بقيادة يئير لبيد.
ويرى الباحث جاي رولنيك، أنّ إقبال قنوات التلفزيون على إجراء المقابلات مع بن غفير يأتي لدواع اقتصادية. ففي تحليل نشرته صحيفة "ذي ماركير" الاقتصادية يشير رولنيك إلى أن المواقف المتطرفة التي يعبر عنها بن غفير تزيد من نسب مشاهدة القناة التي تجري معه المقابلات، ما يحسن من قدرتها على جني عوائد مادية من الإعلانات التجارية التي تبثها.
وقد تمثلت النتيجة المباشرة في تهافت وسائل الإعلام على إجراء مقابلات مع بن غفير وتغطية أنشطته السياسية والحزبية في الترويج لأفكاره المتطرفة، ولا سيما تلك المتعلقة بالدعوة لطرد الفلسطينيين، وفرض حكم الإعدام على المقاومين، ومنح الجنود وعناصر شرطة الاحتلال حرية مطلقة في استهداف الشباب الفلسطيني بقصد القتل، تحت حجة تقليص قدرتهم على تنفيذ عمليات مقاومة. 
وفي مقال نشره موقع "تايم آوت" يؤكد الكاتب يارون برنيك أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية لعبت دوراً مركزياً في تقبل الجمهور الإسرائيلي الأفكار التي يروّج لها بن غفير، إذ يصف وسائل الإعلام بأنّها باتت "مكينة لنشر سموم الكراهية والكاهانية (نسبة للحاخام كاهانا مؤسس حركة كاخ الإرهابية التي كان ينتمي إليها بن غفير)". ويتهم الكاتب وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنّها تعمل على "المس بأسس الديمقراطية، من خلال منح غفير هذا الدور وتلك المكانة".
وقد زادت المساحات التي تمنح لبن غفير بعد الاتفاق الذي توصل إليه مع نتنياهو ويمنح حركته أربع وزارات، من ضمنها وزارة الأمن الوطني التي سيشغلها بن غفير نفسه.
وقد وصلت وسائل الإعلام في تملّقها لبن غفير أن حولت زوجته أيالا إلى نجمة، من خلال إجراء عدد كبير من المقابلات، خاصة بعدما ظهرت برفقة زوجة نتنياهو سارة، وزوجات قادة الأحزاب المشاركة في الحكومة المقبلة، وهي تحمل مسدساً، وقد كان لافتاً أنّ وسائل الإعلام تجنّبت توجيه أسئلة محرجة لأيالا، ولا سيما في كلّ ما يتعلق بمواقفها ومواقف زوجها المتطرفة.

وقد تبنت وسائل الإعلام الإسرائيلية خطاً مهادناً إزاء قيادات اليمين الديني، وصل إلى درجة إجراء حوارات معهم حول آرائهم في أحداث يُعتبرون متهمين بالتسبب بها، من دون توجيه أسئلة تعكس هذه الاتهامات. فقد أجرت قناة التلفزة "12" التي تحظى بأكبر نسبة مشاهدة في الأراضي المحتلة، مقابلة مع ناشط اليمين الديني المتطرف باروخ مارزيل حول اغتيال رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، بمناسبة مرور 25 عاماً على اغتياله، مع أنه لعب في حينه دوراً مركزياً في التحريض عليه. 
وقد سمحت وسائل الإعلام لقيادات اليمين المتطرف بطرح مواقفها من القضايا التي ما زالت حتى الآن تثير جدلاً واسعاً من دون منح فرص كافية لأصحاب المواقف المعارضة للرد عليهم. فقد تنافست وسائل الإعلام مثلاً الأسبوع الماضي على إجراء مقابلات مع زعيم حزب "نوعم" الديني آفي معوز، الذي سيتولى منصباً وزارياً في الحكومة القادمة، بعدما أعلن خطته الهادفة إلى إلغاء 3000 من البرامج غير المنهجية التي تقدم للطلاب، بحجة أنها لا تساهم في تعزيز الهوية اليهودية لديهم؛ فضلاً عن تعهّده بتمرير قانون يحظر على المثليين تنظيم مسيراتهم السنوية.

المساهمون