تسمّرت الولايات المتحدة، الثلاثاء، على الشاشة لتشاهد ثاني نزهة فضائية مدنية لأربعة ركاب على متن كبسولة من دون كابتن، حملها صاروخ إلى عتبة الغلاف الجوي لتدخل بعدها المدار الفضائي على علو نحو 65 ميلاً فوق الأرض.
ودامت الرحلة 10 دقائق و10 ثوانٍ، عادت بعدها العربة إلى نقطة انطلاقها غرب ولاية تكساس، وبلغت تكلفة الدقيقة 2.54 مليون دولار.
ونظم المشروع أغنى رجل في العالم، الملياردير جيفري بيزوس، مؤسس شركة "أمازون" الشهيرة، والذي تبلغ ثروته 171 مليار دولار، والذي شارك في الرحلة مع شقيقه مارك وسيدة ثمانينية وطالب جامعي تحت العشرين دفع والده ثمن تذكرته 28 مليون دولار، وهي التذكرة الوحيدة التي بيعت بالمزاد العلني الذي شارك فيه أكثر من 7500 ثري من 159 بلداً.
Beautiful launch from West Texas this morning. #NSFirstHumanFlight pic.twitter.com/JUpRA7PHvv
— Blue Origin (@blueorigin) July 20, 2021
هذه المغامرة المحسوبة والمثيرة سبقتها قبل أيام مغامرة أخرى مشابهة قام بها الملياردير ورجل الأعمال ريتشارد برانسون، مؤسس شركة "فيرجن" للطيران، لكن وسيلة النقل الجوي كانت مختلفة، إذ جرت بطائرة صغيرة ذات تصميم خاص بسعة خمسة مقاعد، يقودها طيار، ومزودة بمحرك صاروخي يمكّنها من اختراق الحاجز الفضائي بعد انفصالها عن طائرة كبيرة حملتها إلى الجو، وقد وصلت رحلتها إلى علو 53 ميلاً واستغرقت أكثر من ساعة، هبطت بعدها على المدرج كالطائرة العادية. الناقلة هذه كانت أكثر تعقيداً، لكنها بدت أكثر ملاءمة لرحلة استكشافية من هذا النوع غير المعروف.
ومن المتوقع أن يلحق بهما الملياردير إلون ماسك، مؤسس شركة "تسلا" للسيارات الكهربائية الذي سيقوم بغزوته الفضائية قريباً، على أن يتبعه آخرون من أصحاب القدرات المالية التي يتطلبها مثل هذا الفتح الفضائي النوعي المكلف.
وبذلك، يكون قد دُشِّن مشروع تاكسي الفضاء لخدمة قطاع سياحي جديد مخصص لشريحة من السياح من أصحاب الملاءة المالية، وبدأت الحجوزات تتوالى، حسب مصادر هذه الصناعة، وثمن التذكرة في البدايات يراوح بين "نصف مليون و200 أو 250 ألف دولار". وتشير التقديرات إلى وجود سوق واعدة من شأنها تحفيز الاستثمارات في هذا الحقل بقدر ما تعزز الطلب على الزيارات الفضائية، خاصة أن التجارب الأولى كانت سالمة، ولو أنها لا تخلو من الخطورة، فتكنولوجيا الفضاء ليست جديدة.
ومضى 52 سنة على هبوط "أبولو" على سطح القمر، وسبق أن قام 580 من الرواد برحلات فضائية في مهمات استطلاعية علمية. ومع ذلك، المهمة اليوم رائدة وفارقة، لكن المفارقة فيها أنها بالرغم من الاختراق الباهر الذي حققته، إلا أنها تنطوي على الكثير من البطر والخلل، وبما أثار قدراً غير قليل من التساؤلات والنفور من الفوقية التي تكشف امتيازات أصحابها وانفصالهم عن بقية العامة. خصوصيته جعلته يبدو أقرب إلى لزوم ما لا يلزم في الوقت الأميركي الحاضر الذي يضج بالأزمات والتحديات والفوارق الاجتماعية الواسعة.
Picture perfect landing in the West Texas desert! #NSFirstHumanFlight pic.twitter.com/UXQvzBkq6P
— Blue Origin (@blueorigin) July 20, 2021
وما زاد من التأفف، إذا لم يكن النقمة التي عبّر عنها أحد النواب، رو كانّا، أن أصحاب هذه الثروات الطائلة الذين أنفقوا الملايين على ترف من هذا النوع، لا يدفعون الضرائب كغيرهم إلا بمقادير رمزية، هذا إذا دفعوا، وتحديداً بيزوس الذي دخل الفضاء اليوم. إذ إنهم يستغلون الفجوات المصممة عن عمد في القانون للإفلات من دفع المستحقات المفترض أن تتوجب على مداخيلهم الخيالية. وبنتيجة ذلك، انضم في السنتين الأخيرتين نحو 600 ملياردير إلى قائمة هذا الصنف من الأثرياء.
أميركا كانت دوماً بلد التمايزات، لكنها في المقابل كانت تلجأ إلى آليات تلطف الفروقات وتضمن الحفاظ على الحد المقبول أو الأدنى من التوازنات. هذه المعادلة اختلت بشكل خاص في السنوات الأخيرة، وصارت الانقسامات العميقة والمندفعة بلا كوابح السمة الطاغية، سواء في السياسة أو على صعيد الهوية أو الأوضاع الاجتماعية.
وحتى في التعامل مع وباء كورونا، يقال الآن إن هناك "2 أميركا: واحدة قبلت اللقاح، والأخرى ترفضه فقط لتكون ضد الأولى"، واليوم كشفت الرحلة أن هناك أميركتين: واحدة تعيش في الفضاء، وأخرى تعيش على الأرض.