النظام السوري يجنّد الإعلاميين لـ"انتخابات" الرئاسة

04 فبراير 2021
تجري الانتخابات الرئاسية الصورية للنظام بين إبريل ومايو (سيرغي بوبيليف/تاس)
+ الخط -

يعمل النظام السوري على عدة جبهات، في إطار الإعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة، المتوقعة منتصف العام الجاري، أي بين إبريل/نيسان ومايو/أيار، ومنها "جبهة الدعاية والإعلام" لنشر بروباغندا جديدة. يحصل ذلك بالرغم من القناعة الراسخة بأن نتائج هذه الانتخابات، على غرار كل الانتخابات السابقة التي جرت في عهدي آل الأسد، محسومة سلفاً لصالح رأس النظام، وبالتالي ليس ثمة حاجة لأي نشاط إعلامي لإقناع الجمهور بهذا المرشح أو ذاك، على نحو ما يحصل في الدول الديمقراطية.

غير أنّ النظام الخبير في التزوير وصاحب التجارب في إخراج المشاهد البروتوكولية المثيرة للسخرية بالنسبة للجمهور العارف ببواطن الأمور التي قد تقنع المراقب البعيد، يحاول إتقان "العرض المقبل" من جميع جوانبه؛ بدءًا من الإطار السياسي الذي عبر عنه في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الفائت، وزير خارجية النظام فيصل المقداد، بقوله إن الانتخابات الرئاسية ستُجرى في وقتها المعتاد من دون أي تأجيل، وبمعزل عن نتائج عمل اللجنة الدستورية السورية، وصولاً إلى لقاء الأسد قبل أيام مع ثلة من الإعلاميين السوريين ممن سيتولون الترويج داخلياً لمقولة أن "الأسد هو القائد الأصلح للمرحلة المقبلة".

يحاول الأسد إقناع السوريين عبر الإعلام بأنه يحارب الفساد

ووفق ما نشره بعض الإعلاميين المشاركين في اللقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم جعفر يونس مراسل التلفزيون الرسمي، وربيع ديبة مراسل قناة "الإخبارية السورية"، إلى جانب مقدمتي البرامج في "الإخبارية السورية" سلمى عودة وربا الحجلي، وعبدو زمام مقدم البرامج السياسية في "الإخبارية السورية" أيضاً، فقد جرى خلال اللقاء مناقشة قضايا "ذات شأن داخلي". كما تلقّوا "تكريماً" على ما سموها "الجهود التي بذلوها في السنوات العشر الماضية"، إذ يقوم إعلام النظام منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011 بنسج رواية معاكسة للوقائع لتسويقها داخلياً وخارجياً، والتي بدأت قبل عشر سنوات بإنكار المظاهرات المناوئة للنظام، وصولاً إلى تصوير الأخير كمحارب للإرهاب، رغم مسؤوليته المباشرة عن مقتل مئات آلاف المدنيين السوريين، وتغييب مئات الآلاف أيضا في السجون.

وينظر النظام السوري إلى أداء وسائل إعلامه وتلك الموالية له كامتداد للحرب التي يخوضها ضد قطاع واسع من الشعب السوري. ولعب بعض هؤلاء دوراً بارزاً في الترويج لرواية النظام خلال المعارك العسكرية خلال السنوات العشر الماضية، وبينهم المراسلان جعفر يونس وربيع ديبة اللذان ساهما في تغطية معظم العمليات العسكرية التي شهدتها المدن السورية. ويجري اليوم التركيز على القضايا الداخلية بعد أن تراجعت حدة المعارك، وتصوير الأسد كمحارب للفساد "برغم العقوبات الدولية الظالمة".

ينظر النظام إلى أداء وسائل إعلامه كامتداد للحرب التي يخوضها ضد السوريين 

ويحاول الأسد ونظامه إقناع الشارع السوري عبر هؤلاء الإعلاميين وسواهم بأنّ الاقتصاد سيتحسن، وسيتم رفع سقف الحريات، ووعدهم كما قيل، بتكريمهم وإعطائهم مزايا ومكاسب بعد الانتخابات المقبلة. ومما قاله الأسد لهم، وفق ما نقل الإعلامي السوري المعارض أيمن عبد النور عن مصادره: "لقد انتهينا من الجهاد الأصغر وبدأنا الجهاد الأكبر"، في إشارة منه إلى ضرورة تركيز العمل على العمل الإعلامي في المرحلة المقبلة.

وتقول مصادر في العاصمة دمشق إن وزير الإعلام لدى النظام، عماد سارة، أصدر تعميماً داخلياً بضرورة وضع خطط تغطية للانتخابات، يبدأ العمل بها بين شهري فبراير/شباط الحالي ومارس/آذار المقبل.

وفي إطار هذه البروباغندا الدعائية للأسد أيضاً، صدر كتاب في دمشق يحمل عنوان "القائد الأسد.. صفحات مشرقة من تاريخ الصمود" أشرفت عليه نجاح العطار، نائبة رئيس الجمهورية، ويضم مشاركات لمجموعة من الكتاب والسياسيين والعسكريين ورجال الدين، سوريين وعرباً، تشيد بدور الأسد "وثوابته المبدئية وقيادته للبلاد وسط المحن". وتقول العطار في تقديمها للكتاب إنّ "الأسد يتحلى بصفات تجعله الأكثر كفاءة في فهم حاجات أمّته وقضاياها الناشئة في وجه سياسات عربية وأجنبية مموهة بأيديولوجيات مضللة تمارس التعسف والتعصب والمحاولات المتواصلة لتذويب شخصيتنا واستلاب حريتنا وأرضنا".

ويضم الكتاب الذي يقع في 544 صفحة من القطع الكبير والصادر عن الهيئة السورية العامة للكتاب، مقالات لـ 28 شخصية سورية وفلسطينية وأردنية ولبنانية ومصرية وتونسية ومغربية. ومن بين العناوين التي حملها: "قائد سورية وقدرها" لوزير الخارجية اللبناني الأسبق عدنان منصور، و"الرئيس بشار الأسد المرحلة والرجل" لرئيس حركة الشعب اللبناني نجاح واكيم، و"سورية من الانتصار العسكري على التحالف الدولي إلى إعادة البناء المجتمعي" للناطق الرسمي باسم الجبهة العربية التقدمية علي بوطوالة من المغرب، و"سورية نضال قائد وشعب" للأمين العام للتيار الشعبي التونسي محمد زهير حمدي. وكذلك مقالات لشخصيات أخرى، مثل الأمين العام المساعد للتجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة جمال علي زهران من مصر، وراضي الشعيبي مؤسس اتحاد الجاليات والفعاليات الفلسطينية والأب إلياس زحلاوي، والأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب سميح خريس من الأردن، والكاتبة السورية ناديا خوست، والقاصة أنيسة عبود. ومن لبنان، شارك أيضاً محللون وكتاب معروفون بولائهم للأسد ونظامه، وبينهم أمين حطيط ووسيم بزي وغسان الشامي، وكل من حسن ونضال حمادة، ورفيق نصرالله وغسان مطر وجمال واكيم. كما تضمّن الكتاب مقالات بعنوان "سورية والأسد وفلسطين" بعضها حديث وأخرى قديمة جرى تجميعها شملت أسماء أدباء من سورية، مثل بديع صقور ومالك صقور، ومن فلسطين إبراهيم علوش وطلال ناجي وتحسين الحلبي.

كلّ ذلك يأتي في ظلّ حملة احتجاز وسجن وتكميم أفواه للمنتقدين للأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة الأسد، ومنهم إعلاميون موالون. ويرى مراقبون أن الانتخابات المقبلة لن تختلف في جوهرها عما سبقها من انتخابات في عهدي بشار ووالده حافظ من قبل، من ناحية كونها شكلية، ونتائجها مضمونة لصالح رئيس النظام المرشح. غير أنّ ما قد يميّز الانتخابات المقبلة أنها سوف تجري في وضع اقتصادي سيئ جداً يصل إلى حد المجاعة لفئة كبيرة من الناس، الأمر الذي حصر تفكيرهم في تأمين احتياجاتهم الأساسية من وقود وخبز وغير ذلك.

وكان في انتخابات 2014 مرشحون صُوريون آخرون إلى جانب الأسد، حيث اعتاد السوريون قبل ذلك أن تجري "الانتخابات" على شكل "استفتاء" يدلون فيه برأيهم ضمن خانتين: نعم أو لا، من دون وجود مرشح منافس. ومن المتوقع أن تشهد الانتخابات المقبلة وجود المزيد من المرشحين الشكليين، حيث لن يعطوا حتى مساحة لترويج أنفسهم وبرامجهم في الإعلام. لكن من المتوقع أن تكون هذه الانتخابات متقنة بشكل كبير من جانب النظام ويشارك فيها النساء والأكراد، وحتى ربما شخصية من المعارضة أو كانت محسوبة عليها، للترشح في مواجهة الأسد، وذلك في محاولة لاكتساب بعض المصداقية الداخلية وثقة المجتمع الدولي.

وتضع الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، شروطاً للمساعدة في مرحلة إعادة الإعمار التي تشكل الهاجس الأساسي لروسيا، تتمثل في الوصول إلى حل سياسي حقيقي بناء على القرارات الدولية ذات الصلة، وتقول إنها لن تعترف بنتائج أية انتخابات يجريها النظام خارج هذا السياق. في المقابل، يسعى النظام وروسيا إلى الإبقاء على عمل اللجنة الدستورية شكليا لإعطاء انطباع بوجود حراك سياسي، كسباً للوقت إلى حين تمرير الانتخابات الخاصة بهم، ومن ثم البناء على نتائجها لاكتساب مزيد من الشرعية المحلية والدولية.

المساهمون