أكّدت أرقام الحصيلة السنوية، الواردة في تقرير "المركز السينمائي المغربي"، على تراجعٍ هائل عرفه النشاط السينمائي عام 2020، بسبب انعكاسات أزمة كورونا. وإذا كانت قطاعات الاستغلال والتوزيع المتضرّر الأكبر من تداعيات إغلاق الصالات السينمائية، فإنّ قطاع الإنتاج تأثّر نسبيّاً، بعد السماح باستئناف التصوير. بينما سعت استراتيجية الدعم (بشقّيه العادي والاستثنائي) إلى مسايرة الأزمة، بتخفيض الدعم من جهة، وصرف دعم استثنائي للصالات والمهرجانات، بغية مساعدتها على تجاوز التأثير العاصف للأزمة على توازناتها المالية، من جهة أخرى.
انخفض عدد الأفلام الطويلة بشكل ملحوظ من 22 فيلماً (2019) إلى 13 فقط (2020)، منها "واحة المياه المتجمّدة" لرؤوف الصباحي، و"الوسيط"، أول فيلم طويل لزهور الفاسي الفهري، و"كذب أبيض" لأسماء المدير، و"البروفا الأخيرة" لياسين فنان. هناك ارتفاع مُشجّع في نسبة الأفلام المنتجة بمبادرة خاصة (خارج صندوق الدعم)، إذْ بلغت 77 بالمئة عام 2020، مقارنة بـ41 بالمئة عام 2019، ما يرسّخ منحى تنامي مبادرات الإنتاج الخاص في الأعوام الأخيرة. أما الأفلام القصيرة، فشهد إنتاجها تراجعاً بنسبة 28 بالمئة في الفترة نفسها، أي من 115 إلى 86 فيلماً.
في ما يخص الإنتاجات الأجنبية المُصوّرة في المغرب، عرفت استثماراتها تراجعاً حاداً: من 796 مليون درهم (نحو 86 مليون دولار أميركي، إذ إنّ الدولار الأميركي الواحد يُساوي نحو 9 دراهم) عام 2019، إلى 211 مليون درهم فقط، في العام الماضي. منها: "المعذور" للإنكليزي جون مايكل ماكدونا ("كالفَاري"، 2014)، و"مخطوف" للكوري كيم سونغ ـ هون ("يوم صعب" عام 2014 و"نفَق" عام 2017).
أما مشاريع الأفلام المغربية، المستفيدة من دعم الإنتاج عام 2020، فبلغ عددها 12 فيلماً طويلاً، منها: "أزرق القفطان" لمريم التوزاني، و"أيام صعبة" لنوفل براوي، و"العبد" لعبد الإله الجوهري، و"ميرا" لنور الدين لخماري. تراجع مجموع الأموال المرصودة لدعم إنتاج الأفلام من 73 مليون درهم عام 2019، إلى 48 مليون درهم في العام الماضي (34 بالمئة)، بسبب تراجع عدد الأفلام الطويلة الحاصلة على دعم ما بعد الإنتاج، من 7 أفلام (2019) إلى فيلم واحد (2020). كذلك شهدت نسبة الأفلام الأولى لمخرجيها، من مجموع الأفلام الحاصلة على الدعم، انحساراً من 39 بالمئة إلى 27 بالمئة (في العامين نفسيهما).
لم تشهد تركيبة التوزيع اختلافاً كبيراً بين الشركات، نظراً إلى العدد المحدود للأفلام المطروحة في السوق، في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020، قبل اتّخاذ قرار إغلاق الصالات السينمائية. في المقابل، يلفت الاهتمامَ الإقبالُ الكبير على الفيلم الكوميدي "30 مليون"، لربيع شجيد، الذي بيعت 226 ألف تذكرة لمُشاهدته، في شهرين فقط، محتكراً بذلك المرتبة الأولى في شبّاك التذاكر. تبعه، في المرتبة الثانية، الفيلم الأميركي Bad Boys 3 لبلال فلاح وعادل العربي (36 ألف تذكرة)، بينما حلّ الفيلم المغربي "آدم"، لمريم التوزاني، في المرتبة الخامسة (15 ألف تذكرة)، وهذا رقم مُشجِّع، نظراً إلى الفترة المُحتَسَبة ونوع الفيلم.
بلغ مجموع التذاكر، المبيعة في الفترة نفسها، 497 ألف تذكرة، في مقابل مليون و883 ألف تذكرة مُسجّلة عام 2019. أي إنّ نسبة التراجع هائلة (73 بالمئة)، ما يوضح حجم الخسائر التي تكبّدها القطاع في العام الفائت، والتأثير الكارثي لاستمرار إجراءات الإغلاق في فترة الصيف في المغرب، رغم فتح صالات السينما مع إجراءات احترازية في معظم دول العالم. لكنّ مقارنة مجموع نتائج استغلال الأشهر الثلاثة الأولى فقط بين العامين 2019 و2020، تعطي الأفضلية للعام الفائت بنسبة 5 بالمئة، ما يؤشّر على منحى تصاعدي مُحفّز، كان سيُسجّله الإقبال الجماهيري على الصالات، لولا ظروف كورونا.
من ناحية أخرى، استفادت 26 صالة سينمائية (74 شاشة) من دعم استثنائي من الدولة، لمساعدتها على امتصاص المصاريف القاهِرة (أجور الموظّفين، تكاليف الصيانة، إلخ.)، بلغ أكثر من 9 ملايين درهم، بالإضافة إلى مليوني درهم صرفت كدعم لرقمنة وسائل العرض، و4,8 ملايين درهم للتجديد، و3 ملايين درهم لإنشاء صالة جديدة في كورنيش مدينة الجديدة.
إلى ذلك، استفادت 8 مهرجانات فقط، أهمّها "مهرجان سينما البحر الأبيض المتوسّط بتطوان"، و"المهرجان الدولي لسينما التحريك بمكناس"، من دعم استثنائي (مليون و395 ألف درهم)، لتغطية مصاريف استعدادها لدوراتها عشية انعقادها، قبل المفاجأة غير السارّة للقائمين عليها ولجمهورها، المتمثّلة بالمنع.
وأفرد التقرير حيّزاً أخيراً لحصيلة مبادرة عرض أفلام مغربية طويلة وقصيرة (مزيج من التراث السينمائي وأفلام حديثة الإنتاج) على منصّة "المركز السينمائي المغربي"، في أثناء فترة الحجر الصحي، للمساهمة في تبديد أجواء العزلة والكلل، بين مارس/ آذار ويوليو/ تموز 2020، بعرض 64 فيلماً مغربياً طويلاً و33 قصيراً، سجّلت كلّها مليوناً و127 ألف مُشاهدة في العالم، مع غالبية ساحقة في المغرب (894 ألف مُشاهدة)، ثم فرنسا (103 آلاف)، فإسبانيا (65 ألف مشاهدة).