تتوالى الانسحابات من الفعاليات الفنية في ألمانيا، إذ سحبت الفنانتان البصريتان بانو سينيت أوغلو (Banu Cennetoglu)، وبيلفي تاكالا (Pilvi Takala) أعمالهما، الأسبوع الماضي، من معرض في أحد المتاحف الألمانية، إثر رفضه موقفهما الداعم للفلسطينيين في وجه حرب الإبادة في قطاع غزة.
أوغلو وتاكالا، هما فنانتان معروفتان في دائرة البينالي الدولية، وهي معارض فنية تضم مختلف أنواع الفنون البصرية من نحت وتصوير وفن تشكيلي وأعمال مركبة. قررت كلتاهما، أخيراً، سحب أعمالهما من المعرض المخطط إقامته هذا الشهر في متحف الفن المعاصر، "نيو برلينر كونستفيرين"، في العاصمة الألمانية.
إسكات الأصوات الفلسطينية في ألمانيا
في بيان مشترك، قالت كل من التركية أوغلو والفنلندية تاكالا إن قرارهما بإلغاء مشاركتهما في المعرض، جاء بعد رفض متحف الفن المعاصر N.B.K تضمين أي إشارة تحمل دعمهما لقطاع غزة. كتبت الفنانتان: "مع بداية العام الجديد، حاولنا الدخول في حوار مع المتحف الألماني حول مخاوفنا من التعبير عن رفضنا لما يحدث في فلسطين من إبادة، وعن قدرتنا على إعلان تضامننا مع شعبها، كذلك ما يجري بخصوص إسكات الأصوات الفلسطينية وحلفائها داخل المشهد الثقافي في ألمانيا".
واستكملت أوغلو وتاكالا: "على الرغم من آمالنا في التعاون، كشفت محادثاتنا مع N.B.K أن المتحف غير مستعد لتعديل سياساته الداخلية الحالية، أو إبداء أي موقف خلافاً للسياسات القمعية للدولة الألمانية. علاوة على ذلك، رفضوا حتى الموافقة على لفتة فنية اقترحناها، تهدف إلى التوافق والتضامن الجماعي مع فلسطين". وأفادتا أنهما ستشاركان الآن في Strike Germany، وهي حركة المقاطعة للمؤسسات الفنية والثقافية التي "تقمع حرية التعبير، وتحديداً التعبير عن التضامن مع فلسطين".
وردّاً على الفنانتين، أصدر المتحف الألماني بياناً أكد أن أوغلو وتاكالا طلبتا من الإدارة الإدلاء ببيان حول فلسطين، وأن القيمين على المتحف اختاروا عدم السماح لهما بذلك. وأضاف البيان: "نريد أن نظل مؤسسة مستقلة عن التأثير الخارجي، مؤسسة تعزز الحوار المفتوح، حيث يمكن لجميع المشاركين والفنانين أن يشعروا بالأمان". وجاء في بيان المتحف: "نحن قلقون بشأن كيفية استخدام الصراعات بتزايد لتعزيز المصالح الفردية، ونعتقد أنه من الضروري تجنب اتخاذ مواقف سياسية محددة سلفاً".
انسحابات بالجملة
من بين أبرز الانسحابات التي وقّعت خلال الأسابيع الماضية، أيضاً، ما كان من المخرجين الكندي ـ الغاني آيو تساليثابا (Ayo Tsalithaba)، والأميركي ـ الهندي سونيل سانزغيري (Suneil Sanzgiri)؛ إذ انسحبا من مهرجان برلين السينمائي.
يشهد مهرجان برلين هذا العام، وهو أحد المهرجانات السينمائية الثلاثة الكبرى في أوروبا، إلى جانب مهرجاني البندقية وكان؛ جدلاً واسعاً جرّاء إلغاء دعوة خمسة سياسيين من حزب "اليمين من أجل ألمانيا" لحضور الافتتاح، إثر تظاهرات نددت بمواقف الحزب المتطرفة، وهذا إلى جانب الخلاف الممتد حول القضية الفلسطينية.
افتتح المهرجان الدولي يوم 15 فبراير/شباط، وكان من المفترض أن يضم بين أفلامه، الفيلم القصير Two Refusals Would We Recognize Ourselves Unbroken لسانزغيري، وفيلم Atmospheric Arrivals لآيو تساليثابا.
وكتب الأخير على حسابه في "إنستغرام": "على الرغم من أن قرار الانسحاب ليس هو القرار الأخلاقي الوحيد الذي يمكن لنا أن نتخذه، فإن لدينا فرصة للتحرك بشكل جماعي لمساندة النضال الفلسطيني، من خلال عدم السماح لعملنا بدعم دولة مثل ألمانيا، تساعد وتحرض على جرائم الحرب الإسرائيلية، وتتجاهل القانون الدولي، وتساوي بشكل خاطئ بين انتقادات الصهيونية ومعاداة السامية".
وجاء رد المهرجان أنه لا يزال ملتزماً بـ"الحوار المفتوح الذي يدعو ويعتز بمختلف الأصوات والمواقف"، وأنه يأسف لانسحاب الفنانين من الفعاليات هذا العام.
وتكررت المقاطعة، خلال الأسابيع الماضية، مع مهرجان آخر هو مهرجان برلين للفن الرقمي (transmediale e.V.) (31 يناير/ كانون الثاني إلى 2 فبراير/ شباط)، وهو مهرجان سنوي يجمع الفنانين والباحثين والمفكرين والناشطين في مجال الثقافة الرقمية والتحول الاجتماعي والسياسي؛ إذ انسحب منه خمسة فنانين، هم: هولي تشيلدز (Holly Chailds)، وغيديميناس زيغوس (Gediminas Zygus)، ومحمد برو، ومونيكا بصبوص، وشربل الخوري.
الانسحابات طاولت أيضاً المعارض التشكيلية؛ فانسحبت الفنانة الإيرانية مورهشين آلاهياري (Morehshin Allahyari) من افتتاح عرض جماعي في معهد KW للفن المعاصر في برلين، هذا الشهر. كما انسحبت الفنانة والمخرجة الإيرانية مريم تفكري من معرض Portikus، وهو متحف للفن المعاصر في فرانكفورت تأسس عام 1987، ولديه شهرة واسعة لدى المهتمين بعالم الفن المعاصر.
ولم تقف سلسلة الانسحابات عند موسيقيين مثل جيوتي (Jyoty)، وكامبير (Kampire)، وسكراتشا ديفا (Scratcha DVA)، ومانوكا هوني (Manuka Honey)، وراجي راغز (Raji Rags) من مهرجان CTM في برلين، وهو مهرجان متخصص في موسيقى البوب والموسيقى الإلكترونية والتجريبية.
هذه الانسحابات استدعت رداً من المهرجان الذي أقيم في الفترة من 26 يناير إلى 4 فبراير، محتفلاً هذا العام بيوبيله الفضي؛ إذ أعلنت الإدارة أنها "تحترم قرارات الفنانين"، وستبقى "حريصة على دعم الحرية الفنية والحوار".
جاءت تلك الانسحابات استجابة لمبادرة أطلقتها حركة "إضراب ألمانيا"، وهي، كما ورد في بيان إطلاقها: "دعوة لرفض استخدام المؤسسات الثقافية الألمانية السياسات المكارثية التي تقمع حرية التعبير، وتحديداً التعبير عن التضامن مع فلسطين".