خلال الأسابيع الماضية، سارع نجوم الغناء، على امتداد العالم العربي، إلى إطلاق أعمال غنائية تضامناً مع غزة وأهلها. ورغم أن الفنانين المغاربة استجابوا مثل غيرهم للحدث، لكن حاجز اللهجة يحول في أحيان كثيرة دون بلوغ أغانيهم أسماع أبناء المشرق. مع ذلك؛ فالأغنية المغاربية الداعمة للقضية الفلسطينية، حاضرة دوماً، سواء في هذه الأيام، أو في ما مضى.
من المغرب، صدرت أخيراً أغنية "غزة وشهود الزور" للمطرب والملحن نعمان لحلو، بعدما عقد ورشة لعدة أيام مع الشاعر سعيد متوكل بغرض إنجازها. تبشر الأغنية الفلسطينيين، عبر إيقاع بسيط وصوت مغنيها الرخيم، بأن الأرض لهم، لأن الله حق وعدل، وتاريخهم محفور بها. كما خاطبت الكلمات الولايات المتحدة، "بلاد تمثال الحرية"، أن العدالة هي ميزان الحرية.
هناك أيضا مغني الراب سمول إكس، الذي شارك في أغنية "راجعين"، وهو عمل غنائي ضم 25 مغنياً عربياً من مصر والأردن وتونس والمغرب والسعودية وليبيا واليمن والكويت والسودان وفلسطين، ليكون رسالة إلى أهل غزة مفادها أن الشعوب العربية كافة تساندهم ضد آلة الحرب الصهيونية الهمجية.
الاهتمام المغربي بالقضية الفلسطينية قديم، ولعل أبرز من تغنى بفلسطين من البلد العربي، فرقة ناس الغيوان الشهيرة، التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي، وحققت انتشاراً واسعا بالمنطقة العربية وأوروبا. اتسمت أعمالها بالثورية والاحتجاج على المظالم الاجتماعية ورفض القهر السياسي. وكانت فلسطين في المقدمة دائماً من رسائلها الغنائية، فخصتها الفرقة بالعديد من الأغنيات، منها "إلى أطفال الحجارة" و"دومي يا الانتفاضة" و"عتقوها أمي فلسطين" و"ضايعين" و"الشمس طالعة" و"نرجاكانا"، ولعل أشهر أغانيها بهذا الخصوص "صبرا وشاتيلا".
فرقة موسيقية أخرى وازنت "ناس الغيوان" في الشهرة، هي "جيل جيلالة"، التي تأسست في السبعينيات وتميزت بالغناء الشعبي، وباهتمامها بتطوير الموسيقى الأندلسية، لتوظف ذلك في خدمة القضايا الوطنية. من هنا غنت "جيل جلالة" لفلسطين: "ربح النصر يا فلسطين" و"عربي يا مسلم" و"سبحان الله" وما زالت رائعتهم "القدس" يتداولها كثيرون وقودا يشعل حماسهم تجاه القضية الفلسطينية، تميزت الأغنية بإيقاعها السريع ونغمها الأفرو مغاربي،
في هذه الحقبة أيضاً، غنى الفنان الملتزم سعيد المغربي من شعر محمود درويش وصخر الفلسطيني، وأحيا في عام 1981، وتحت القصف حفلات للمقاومة الفلسطينية في أغلب المدن اللبنانية، من بيروت وصيدا إلى بعلبك وصور، وكذلك البقاع والليطاني والعرقوب.
ذات المساحة الفنية التي وهبها المغرب لفلسطين، وربما أكبر، منحتها تونس أيضاً، فالبلد الأخير صاحب تاريخ طويل في دعم القضية الفلسطينية، ليس أوله استضافة قياديي منظمة التحرير بعد مغادرتهم لبنان في عام 1982، ولا آخره حضور ابن من أبنائه في قلب عملية طوفان الأقصى، وهو محمد الزواري الذي طور المسيرات المستخدمة بالعملية.
من الطبيعي إذن، أن يتصدر نجم تونس الأبرز لطفي بوشناق بأربع أغان، اثنتين أذيعتا بالفعل هما: "أمتاه" و"نشيد القدس"، وهو بصدد إصدار أُخريين، وهما "يأسنا" و"أيها الغاضب"، ولبوشناق أغان قديمة قدمها دعما للقضية الفلسطينية، منها "زرت القدس مشتاقا" و"أجراس العودة" و"سهول فلسطين"، بالإضافة إلى أغنية آثر بها غزة هي "اصمدي غزة،" أطلقها بوشناق في 2014.
وفي أغنية "راجعين"، التي صدرت أخيراً، شاركت تونس من خلال الفنان مروان الجبالي، المعروف بنوردو، ومن المقرر تخصيص عائد الأوبريت إلى صندوق إغاثة أطفال فلسطين.
هذان النموذجان هما امتداد لقائمة طويلة من المغنين التونسيين الذين طالما تغنوا بفلسطين ولها، منهم: ثريا الميلادي التي غنت "القدس تنادي"، ولطيفة التي خصت فلسطين بأغنيتين: "يا قدس يا حبيبتي" و"لو قسموا القدس اثنين"، بالإضافة إلى ثالثة جاءت دويتو مع كاظم الساهر "قصيدة القدس".
وما زال كثيرون يستعيدون أغاني ذكرى التي أهدتها إلى فلسطين، منها: "لن نركع"، و"صبرا فلسطين"، و"ما تحزني يا قدس"، و"مين يجرأ يقول"، وهناك أيضا المغنية صوفيا صادق وأغنيتها الشهيرة "القدس تصيح والقول فصيح".
كذلك، لم يتخلّف فنانو الجزائر عن دعم فلسطين، إذ أصدر المغني الشاب حسام قبس أغنية "فلسطين حرة" الشهر الماضي، وقبله وعبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، أذاع الرابر لطفي دوبل أغنية "فلسطين تنادي"، منددا في كلماتها بالجرائم الوحشية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني ضد أهالي غزة، لتنتظم تلك الأغنية ضمن سلسلة من الأغاني أطلقها كانون، منها "غزة" في 2009 و"فلسطين" في 2001، كذلك أطلق الفنان فؤاد ومان، أخيراً، أغنية بعنوان "مقاوم" من ألحانه وغنائه.
هذه التظاهرة المحبة هي امتداد لفعاليات فنية وثقافية ورياضية، وحتى سياسية، أقيمت على مدار عقود طويلة مضت، ولم تغب فلسطين عنها، فلا أحد ينسى أن من الجزائر أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية (1988)، وقبلها استضاف البلد المغاربي عددا كبيرا من رجال المقاومة إثر احتلال لبنان ورحيلهم عنه (1982). هذه العلاقة الخاصة امتدت إلى الساحة الغنائية، فحرص كبار نجومها على حضور فلسطين بين أعمالهم، فهذا أيقونة الأغنية الشعبية الجزائرية عمر الزاهي يغني "فلسطين" من ألحان الشيخ محمد الباجي.
قمة أخرى من قمم الغناء الجزائري جاءت آخر أغانيها لفلسطين، وهي عميد المالوف محمد الطاهر الفرقاني، وإن كان قد رحل قبل أن يستكمل تسجيلها، ليقرر ابنه مراد تنفيذ لحن أبيه الأخير؛ فسجله في أربعينية الفنان الراحل. أما عميد الأغنية البدوية، خليفي أحمد فقد غنى: "يا أخي لبِّ الندا، فلقد طال المدى، من سوانا يا أخي لفلسطين الفدا، إنها أرض الجدود، كيف تعطى لليهود".
صورت جميع تلك الأغاني التي قدمت دعما للقضية الفلسطينية لحظة من لحظات تقارب مفقود بين أغنية مغاربية حديثة متهمة بانحسار اهتمامها بكل ما له قيمة، ليطبع مسارها طابع التجارية، وأخرى قديمة كانت أكثر التصاقا بقضاياها الاجتماعية والوطنية والقومية، وفي هذا إشارة إلى أن فلسطين ما زالت قبلة قومية لكل العرب وقادرة على أن تهب القيمة لهم.