المذيع تاكر كارلسون... اجترار أميركي للبروباغندا الروسية

16 مارس 2022
تعيد وسائل إعلام روسية بث ما ينقله كارلسون (جانوس كومر/ Getty)
+ الخط -

بينما تجهد الولايات المتحدة والدول الأوروبيّة لمنع انتشار البروباغندا الروسيّة، تقوم وسائل إعلام أميركيّة بنشر هذه السرديّة، أبرزها "فوكس نيوز". فوفق وثائق روسيّة على هيئة تعليمات صدرت في الثالث من مارس/ آذار الحالي، طلب الكرملين من وسائل الإعلام تكثيف الاستشهاد بأقوال المذيع تاكر كارلسون، كونه ينقل هذه السرديّة. الوثائق التي نشرها موقع "ماذر جونز" الأميركي، وترجمها من الروسيّة، في 13 مارس/ آذار الحالي، ليست الوحيدة التي تُشير إلى أداء "فوكس نيوز" خلال تغطيتها الحرب الروسية على أوكرانيا، بل هناك معلّقون نشروا، يوم الثلاثاء الماضي، تعليقاتٍ تطلب من القناة التوقف عن نشر السرديّة الروسية، تحديداً بعد إعلانها عن مقتل صحافيين يغطّيان الحرب لصالحها، وإصابة صحافي ثالث.

التفاصيل هذه، بحسب مجلة "ماذر جونز"، جاءت على 12 صفحة، وسرّبتها شخصية إعلامية روسية أخفت هويتها. والملفت هنا أن "التعليمات" الصادرة عن "الوكالة الروسية للمعلومات والاتصالات" حول كيفية تغطية أخبار الغزو، وتشمل المحللين التابعين لروسيا، تستند إلى 3 عناوين رئيسية تقول: روسيا تحاول منع هجوم نووي من أوكرانيا، و"المرتزقة" الغربيون يتدفقون إلى أوكرانيا، و"العملية العسكرية تسير حسب الخطة". هذا بالإضافة إلى متابعة التغطيات الروسية ومحللين روس تكشف كثافة استخدام تلك العناوين المسربة. وفوق ذلك، تؤكد ترجمة الموقع الإخباري ماذر جونز توجيهات للتلفزة الناطقة بالروسية بالإكثار من عرض ما قاله ويقوله المذيع الشهير على "فوكس نيوز" الأميركية تاكر كارلسون Tucker Carlson. ونصياً، ينقل الموقع: "من الضروري عرض مقاطع كارلسون". 

ما هي أهمية كارلسون ليركز عليه الإعلام الموجه في روسيا؟

يذهب الروس أنفسهم، في "الوكالة الروسية للمعلومات والاتصالات"، إلى تحديد أهمية مذيع فوكس كارلسون بناء على روايته أن "روسيا تحمي أمنها ومصالحها فقط". ورغم أن كارلسون ليس الصحافي/ الإعلامي الغربي الوحيد الذي تحدث قبل غزو أوكرانيا عن الرواية الروسية، وحقها في حماية مصالحها، وانتقد الغرب عموماً، فإن لكارلسون، وتحديداً لأنه من "فوكس نيوز" التي يتابعها جمهوريو أميركا، تقديراً خاصاً عند الكرملين. 

تاكر كارلسون ينتقد بشدة تصرفات الولايات المتحدة وحلف الناتو، معتبراً دورهما سلبياً جداً وأشعل الصراع في أوكرانيا، بل "استفز وتحدى مع زعماء دول أوروبا الشرقية الرئيس بوتين شخصياً". 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

مع برنامج "تاكر كارلسون تونايت" بدا الأمر مريحاً للروس، وكأنه منبر لبث دعايتهم وإعادة تدويرها مترجمة للجمهور الروسي، كدليل على المؤامرة الغربية. ورغم شطب المونتاج قول كارلسون إن الحرب "خطأ فلاديمير بويتن" إلا أنه ركز على مونولوغات تفهم أسباب الحرب وإلقاء اللوم على واشنطن وأوروبا.

في الرواية المعاد استهلاكها على شاشات روسيا، نقلاً على "فوكس نيوز"، ادعى كارلسون أن انتشار 120 ألف جندي روسي على الحدود الأوكرانية كان بسبب "نزاع حدودي"، مشدداً على أن أوكرانيا "دولة عميلة وهي في الواقع مسيطر عليها من قبل وزارة الخارجية الأميركية". 

وسواء كانت رواية الكرملين باللغة الروسية أو أخرى فإن المتلقي يمكنه ملاحظة الكثير من التطابق بين ادعاءات الكرملين وكارلسون، ولذا تكون الاستفادة كبيرة في سياق هيمنة ماكينة البروباغندا الروسية على ما يتدفق لمواطنيها والرأي العام الخارجي. فأعاد الإعلام الروسي مراراُ بث ما طرحه كارلسون للجمهور الأميركي: "بوتين ليس عدوكم، العدو هو الديمقراطيون وثقافتهم الإلغائية". 

رواية "المختبرات السرية في أوكرانيا" 

انتشرت على نطاق واسع خلال الأسبوع الفائت رواية "إعلامية روسية" عن أن الولايات المتحدة الأميركية بصدد إنتاج أسلحة بيولوجية في مختبرات سرية في أوكرانيا. اعتبرت موسكو أن ذلك "دليل على الأنشطة الإجرامية لأميركا". 

يوم 11 مارس/ آذار الحالي، ذهب كارلسون إلى مخاطبة مشاهديه: "ادعاء الروس صحيح". وهو أيضاً ما وجدت فيه موسكو ضالة لمخاطبة الجمهور الروسي باعتبار أن ما تقوله عن المؤامرة الغربية في أوكرانيا "مؤكد"، بإعادة بث تلفزيوني مترجم إلى الروسية. 

اعتبر كارلسون أن رواية روسيا عن المختبرات السرية مؤكدة، وللدلالة على ذلك اختار كارلسون الزج باسم المسؤولة في الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند "التي أكدت تاريخ المختبرات السرية في جلسة استماع للكونغرس"، بحسب ما ذهب إليه  وجود مختبرات سرية هة في الواقع جزء من نظرية المؤامرة التي تشيعها مجموعة "كيو أنون" الأميركية، بما يتضمن من مزاعم بأنّ فيروس كورونا جرى إنشاؤه فيها.

لكنّ الحقيقة هي أن نولاند لم تقل شيئاً عن سرية المختبرات، بل تحدثت عن أن "أميركا تتعاون مع أوكرانيا لحماية مرافق البحوث البيولوجية"، وأكدت، كما هو منشور، في جلسة الاستماع تلك، أن "أوكرانيا لديها منشآت أبحاث بيولوجية، ونشعر بقلق بالغ إزاء سيطرة القوات الروسية عليها".

ووفقاً لما نشرت وكالات الأنباء، فإن مراكز الأبحاث ليست سرية، وهي مملوكة ومدارة من كييف نفسها، وتتلقى دعماً مالياً من واشنطن. الهدف من تلك المختبرات هو "إجراء أبحاث لمنع الهجمات البيولوجية والأمراض المعدية والتصدي لها، وما يجرى التحذير منه هو أن الكائنات الحية في المراكز مهددة للحياة، ولكنها ليست أسلحة بيولوجية"، بحسب "أسوشييتد برس".


يومياً تعيد شاشات روسية، ومواقع تواصل مؤيدة لموسكو بلغات مختلفة، ما يبثه تاكر كارلسون. وقد لاحظت الصحافية المختصة بتحليل ما تبثه وسائل الإعلام الروسية من "ديلي بيست"، جوليا ديفيس، أن آلة الدعاية الروسية باتت تستخدم كارلسون كجزء من خطط مخاطبة الناس برواياتها. 

 

 

الرأي العام لا يهضم رواية "فوكس نيوز"

وعلى الرغم من شعبية كارلسون و"فوكس نيوز" عند الجمهوريين، فإن السردية التي يراد من خلالها التأثير على الرأي العام الأميركي، وليس أقله بين الجمهوريين، وبمهاجمة واضحة للرئيس الأميركي جو بايدن، لم تؤتِ أُكلها. إذ يبدو الجمهور الأميركي يسير عكس رياح روسيا ومونولوغ كارلسون عن مبالغة بايدن في رد فعله على غزو أوكرانيا، حيث بالنسبة له "بوتين لم يقتل أميركياً واحداً، لم يتم غزو أو مهاجمة الولايات المتحدة، وبدون نقاش ذي مغزى أو إذن من الكونغرس دمرت حكومة بايدن عملة روسيا وأزالتها من النظام المصرفي الدولي وتعذب شعبها"، كما ذهب يوم الجمعة الماضي.


ومع ذلك، فإن استطلاع لـ"إيبسوس"، نشرته "وول ستريت جورنال" الأميركية في 9 مارس/ آذار، يؤكد أن غالبية الناخبين الجمهوريين يختلفون مع كارلسون، فبنسبة 80 في المائة يؤيدون عقوبات بايدن، ويطالبون بمزيد منها بحق روسيا. ونحو 73 في المائة من الجمهوريين يؤيدون إرسال المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا.

المساهمون