نجوان علي صانعة أفلام، لها خبرة متراكمة في مجال الأفلام المستقلّة، القصيرة والطويلة، والبرامج التلفزيونية. بدايتها مع "المركز العراقي للفيلم المستقلّ"، وإنجاز أفلامٍ قصيرة قليلة التكلفة. يُعدّ "طيور نسمة" أهم ما أنجزته للسينما، ونال جائزة "أفضل رؤية إخراجية لفئة الطلّاب" من "مهرجان ترايبيكا"، كما شارك في مهرجانات أخرى.
لاحقاً، التحقت بـ"مؤسّسة صدى للفن المعاصر"، فكانت تجربة مختلفة في صناعة الـ"فيديو آرت" وفنّ التركيب، ثم بدأت العمل في المجال الوثائقيّ القصير، بتحقيقها مشاريع لصالح "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، وعملت بعدها في البرنامج الساخر الشهير "البشير شو" على قناة "دويتشه فيله". شاركت في كتابة وإعداد برامج تلفزيونية لمحطات فضائية مختلفة.
التقتها "العربي الجديد" في حوار عن محطات فنية لها.
"طيور نسمة" من الأفلام المتميّزة، التي لفتت انتباه النقّاد والجمهور. لكنّك توقّفت عن الإخراج. ما سبب ذلك؟
"طيور نسمة" أُنتج عام 2013، ونال إعجاب نقّاد وزملاء كثيرين، بالإضافة إلى إعجاب الجمهور. أما توقّفي عن الإخراج، فعائدٌ إلى أسبابٍ، منها ما يخصّ الوسط الفني، وأخرى تخصّني أنا. السبب الرئيسي العنصرية المقنّعة تجاه أي أنثى تعمل في العراق، في مجال السينما. ربما اليوم أقلّ، لا أعرف، لأنّي خارج البلد، رغم أنّ عاملين كثيرين في الوسط الفني، بشكل عام، يُذكّرون دائماً بافتقاد الوسط للعنصر النسائي، وبالحاجة إليهنّ. لكنْ، في الحقيقة، اكتشفتُ أنّ هذا مجرّد كلام، لا يُعمل به إطلاقاً. كلام يُراد منه إظهار صورة المثقّف المتقبِّل للجنس الآخر. عندما كنتُ أعمل في الوسط السينمائي، كنتُ الفتاة الوحيدة.
هل كانت هناك صعوبات في عملك؟
ما حصل لي من مواقف وتجارب، جعلني أعتزل مع نفسي. هناك من حاربني بالكلام، وهناك من حاربني باستغلالي مادياً. حتى "كلية الفنون الجميلة" لم تكن مقتنعة بأنّ طالبة فيها تعمل، فكانت هناك محاولة لفصلي منها، إلى أنْ قرّرتُ الانسحاب من العمل في اختصاصي، والاستمرار بالدراسة. وغيرها مواقف كثيرة أخرى. كنتُ أعمل في فريق الإخراج مع رعد مشتت، في "صمت الراعي". المفارقة أنّه طلب منّي جلب هوية الأحوال المدنية، للتأكّد من عمري وصحّة أقوالي.
هل كان هذا سبباً لانسحابك من المشهد السينمائي العراقي، وسفرك إلى تركيا؟
هذا سبب، هناك أسباب أخرى تتعلّق بصناعة الفيلم في العراق، وبعضها يمنع انطلاقة حقيقية للسينما العراقية، لعلّ في مقدمتها الإنتاج والتمويل.
إذاً، لا أفلام لك بعد "طيور نسمة".
كلا. تركتُ الإخراج، واتجهت إلى الكتابة والعمل في التلفزيون.
وماذا عن تجربتك في "صمت الراعي"، وكنتِ يومها مساعدة المخرج رعد مشتت؟
كانت من أجمل التجارب، رغم الصعوبات والمعوقات. العمل مع فريق يمتلك من روح الفن الكثير، وأوّلهم رعد مشتت الذي يمتلك الكثير. تعلّمت منه أنْ أكون أكثر صبراً، وأكثر حبّاً لعملي، وأنّ اليأس مستحيل، وأننا نستطيع تحقيق الكثير. كنتُ أعمل مساعدة مخرج متدرّبة. استفدت الكثير. كانت التجربة فنية وقيّمة، استطعت بفضلها رؤية ما خَلْف المشهد السينمائي من تعاملات شخصية ورسمية، وكيف يُنتَج عملٌ مع مؤسّسة حكومية في العراق.
يبدو لي أنّ التلفزيون، وتحديداً قطاع المسلسلات، أخذك من السينما. هل هذا بسبب قلّة المشاريع السينمائية، أم أنّه شغفٌ بالتلفزيون؟
أحد الأسباب قلّة الإنتاج السينمائي. هناك أيضاً اكتساح الدراما العالمية في الوقت الراهن، وشعبيتها التي ازدادت في الأعوام الأخيرة، وتفوّقت على شعبية السينما. الوسط السينمائي العالمي والمحلي تأثّر بموجة الدراما الموجودة، والسبب كامنٌ في تجدّد الأفكار العبقرية، والقاعدة الجماهيرية العالية. وأيضاً لأنّي غادرت البلد، فكانت فرصةً للعمل أكثر مع التلفزيون. عملنا، شقيقي وأنا، في سلسلة قصص وثائقية لـ"بي بي سي إكسترا"، وكان معنا المُصوّر نشوان علي. عملتُ أيضاً مع التلفزيون العُماني، في فقرة "مراجعة سينمائية"، ثم في مسلسل آخر لقناة "الشرقية"، كمساعدة مخرج، مع الإعلامي أحمد البشير. كانت التجربة مختلفة، لأنّه يُعتبر عملاً كوميدياً مختلفاً جداً في الطرح، وغريباً على الكوميديا العراقية المألوفة. بعد ذلك، عملتُ في برنامج "البشير شو". واستكمالاً لمشواري في الدراما والتلفزيون، شاركتُ، مع زملاء، في تأسيس "غرفة للكتابة"، ضمّت 7 أشخاص، بينهم شاب واحد، فحقّقنا أول مشروع تلفزيوني، "قصص لجابر"، ثم توالت المشاريع التلفزيونية.
لا أزال أعمل في الكتابة، التي بدأتها قبل 5 أعوام، عندما شاركتُ في ورشة كتابة، مع زميلاتٍ لي، وكتبنا مسلسلاً. النصّ موجود وجاهز، وحصل على أكثر من عرض لإنتاجه، لكنّه متوقّف الآن، لأنّنا نفكر بإخراجه، كونه يعتمد على بطولة نسائية. نحن غير مستعجلين على تنفيذه، لأنّنا نريده أن يظهر بأجمل ما يكون. طبعاً، عندما أقول نحن، أقصد فيروز عقيدي، زميلتي في الكتابة والإخراج، والمنتجة هدى الكاظمي، وأنا.
ما سبب قلّة المخرجات العراقيات في المشهد السينمائي؟
عدم وجود دعم معنوي ومُساندة لها، وعدم إعطائها فرصة ومساحة للعمل. هناك دائماً نظرة ناقصة للنساء في العراق، تقول إنّها لا تستطيع أنْ تكون مخرجة أو مديرة تصوير، أو أنْ تعمل في أي عمل فني تقني. هذا رأي نابع من تجربة خاصّة مررتُ فيها.
كيف تقرأين المشهد الفني والسينمائي العراقي؟
أعتقد أنّ ما يحدث الآن كامنٌ في الاتجاه إلى الدراما (التلفزيون). هذا بالتأكيد سيعطي مجالاً لأسماء جديدة بالظهور في المشهد السينمائي، وأيضاً عودة المهاجرين الروّاد والشباب من خارج البلد، لتحقيق أفلامٍ سينمائية. أنا مثلاً سأعود إلى السينما قريباً، بفيلمٍ مختلف، كفكرة وبيئة، وإنْ كنت غير مستعجلة.