استمع إلى الملخص
- يعتمد المعرض على جهود فنية معقدة بقيادة القيّم ريد بايرز وفريق من الفنانين، لإعادة تخيّل وتصميم الكتب، حيث تتنوع بين كتب فارغة وأخرى تحتوي على نصوص متخيّلة.
- يسلط المعرض الضوء على أعمال مفقودة ومؤثرة في الأدب العالمي، مثل مسرحية شكسبير الغامضة ورواية هيمنغواي الأولى، ويقدم تصوراً مبتكراً للكنوز الثقافية المفقودة.
يستضيف نادي غرولييه في نيويورك، أقدم جمعية لمحبي الكتب في الولايات المتحدة، معرضاً للكتب المتخيّلة والمفقودة، تحت عنوان Imaginary Books: Lost, Unfinished, and Fictive Works Found Only in Other Books. المعرض المستمر حتى 15 فبراير/شباط المقبل، ويضم 100 كتاب فقط، ليس معرضاً للكتب النادرة أو القديمة كما قد يظن بعضهم، فالكتب التي يضمها المعرض لم يعد لها وجود في الحقيقة، أي أن الأمر مجرد احتفال خيالي بهذه الكتب. تجمع التظاهرة بين التاريخ والخيال، وبين الفن والتقنية، ما يمنح الزوار تجربة استثنائية مثيرة من خلال تجسيد خيالي لأغلفة هذه الكتب الضائعة. المعرض أشبه ببوابة إلى عوالم مفقودة وأحلام لم تكتمل، ويجعلنا نفكر في القصص التي لم تُكتب، وكيف يمكن للخيال أن يغير نظرتنا للعالم.
تجسيد كتب لا وجود لها هو مهمة فنية شديدة التعقيد، تتطلب مهارات استثنائية وفريقاً مبدعاً. وقد اعتمد القيّم، ريد بايرز، على مجموعة من الفنانين والمختصين لإعادة تخيّل وتصميم هذه الكتب، مثل الفنانة مارثا كيرسلي في الطباعة اليدوية، والخطاطة مارغو ديتيمر، والخبير في تجليد الكتب التاريخية جيف ألتبيتر. بعض هذه الكتب أُعدّت لتكون فارغة من الداخل، بينما احتوت أخرى على نصوص متخيّلة مبتكرة. يمنح هذا المعرض زواره فرصة للتفاعل مع الأدب بطريقة جديدة تماماً. فبدلاً من قراءة النصوص، يُطلب منهم تخيُّل القصص التي قد تكون مخفية داخل أغلفة الكتب المعروضة. إنها لحظة تجمع بين الحقيقة والخيال، إذ يتوقف الزمن ليمنحنا فرصة للتأمل في ما يمكن أن يكون.
يقدم المعرض تصوراً لما قد تكون عليه العديد من الكتب المفقودة، مثل مسرحية شكسبير الغامضة Love's Labour’s Won (الحب مجهود رابح). وقد نُسبت هذه المسرحية إلى وليام شكسبير رغم عدم وجود أي نسخ لها على الإطلاق. يسلط المعرض الضوء أيضاً على رواية إرنست هيمنغواي الأولى التي تحدث عنها الكاتب في مذكراته. فُقدت هذه الرواية عندما سُرقت حقيبة زوجته في باريس عام 1924، والتي احتوت على مسودة الرواية. الرواية التي يُقال إنها كانت ستشكل بداية جديدة في عالم الأدب الأميركي، تعيش الآن في مخيلات الزوار عبر تصور فنّي مُبدع يعكس روح هيمنغواي وقوته السردية.
وفي زاوية أخرى من المعرض، نجد مذكرات اللورد جورج بايرون التي أُحرقت بعد رحيله بناء على رغبة عائلته، تاركة وراءها فجوة كبيرة في فهم حياته المعقدة وأفكاره الجريئة. اللورد بايرون من أبرز شخصيات الحركة الرومانسية في أوائل القرن التاسع عشر. يرى كثيرون أن إحراق هذه المذكرات هو الجريمة الأعظم في تاريخ الأدب، إذ حرمت العالم من إلقاء نظرة إلى عقل أحد أهم شعراء العصر الرومانسي.
في قسم آخر من المعرض، نجد الأعمال التي بدأت ولم تكتمل أبداً، ولكنها تركت بصماتها في الأدب العالمي. من أبرز هذه الأعمال، قصيدة صامويل تايلور كوليردج Kubla Khan، التي بدأ في كتابتها ولم يكملها لأسباب مجهولة. هذه القصيدة، رغم قصرها، هي واحدة من أهم أعمال الشعر الإنكليزي. أما رواية Double Exposure للكاتبة سيلفيا بلاث، فهي قصة أخرى تحمل مزيجاً من المأساة والغموض. هذه الرواية التي يُقال إن زوجها تيد هيوز منع نشرها بعد رحيلها، تجسد صراعاً داخلياً كان يمكن أن يضيء جوانب جديدة من حياة بلاث الأدبية والشخصية. من الأعمال الأخرى في هذا القسم، نجد محاولة الكاتب الأميركي رايموند تشاندلر الساخرة لكتابة "شكسبير بلغة الأطفال"، وهو مشروع طريف لم يكتمل أبداً، ولكنه يوجد في المعرض على شكل كتاب أطفال أبيض الغلاف يحمل رسومات مدهشة.
ربما يكون القسم الأكثر إبهاراً في المعرض هو الكتب المتخيّلة التي وُلدت من صفحات الروايات فقط. فالعديد من هذه الكتب ذُكرت في أعمال أدبية من دون أن يكون لها أي وجود، مثل كتب الأساطير والسحر الغامضة. من بين الأعمال الأخرى، نجد كتاب The Songs of the Jabberwock، المستوحى من عالم لويس كارول، مؤلف كتاب أليس في بلاد العجائب. ويظهر الكتاب هنا وقد طُبع غلافه معكوساً كما وجدته أليس داخل المرآة.
تقوم فكرة المعرض على مفهوم مبتكر ومثير يمكن استلهامه وتكراره للتذكير بالمحتوى الثقافي المفقود للإنسانية في ثقافات مختلفة. يمكننا هنا أن نتخيل، على سبيل المثال، تصميم أغلفة متخيّلة لمئات الكتب العربية المفقودة التي لم يبقَ منها سوى عناوينها، من دون أن نعرف شيئاً عن محتواها. من بين هذه الكنوز المفقودة، كتب بيت الحكمة في بغداد التي دمرها المغول، مثل "كتاب الأقانيم" للعالم الرياضي والفيلسوف ثابت بن قرة. كذلك، الكتب التي ضاعت بعد سقوط غرناطة، وأشار إليها ابن النديم في كتابه "الفهرست". ولا يمكننا أن ننسى المؤلفات التي مُنعت وأُعدمت بأوامر الحكام، مثل العديد من أعمال ابن الراوندي.