في منتصف شهر فبراير/ شباط الماضي، عرضت "نتفليكس" المسلسل الإيطالي "القانون من وجهة نظر ليديا بويت" The Law According to Lidia Poët، المكون من ست حلقات. حاز المسلسل على شعبية كبيرة بسرعة وأخذ مكانته بين المسلسلات العالمية.
يتناول العمل قصة أول محامية في تاريخ إيطاليا، وهي ليديا بويت التي مُنعت بعد ثلاثة أشهر من حصولها على رخصة العمل من مزاولة المهنة لأنها امرأة، لتجد نفسها مضطرة إلى العمل مع شقيقها المحامي إنريكو كمساعدة. عمل ليديا مع شقيقها لم يكن مساعِدةً فعلاً، فقد كانت تستلم بعض القضايا بنفسها، لكنها تعمل تحت اسم شقيقها الذي يرافع في المحكمة وفقاً لما أنجزته هي. يجدر القول هنا إن المسلسل لا يلتزم بالأحداث الحقيقية بحرفيتها، فعلى سبيل المثال كان لليديا بويت عدة إخوة وأخوات، بينما في المسلسل لديها شقيقها الأكبر فقط.
من البداية، تقدَّم ليديا بويت كشخصية متحررة في ظهورها الأول وهي تمارس الجنس مع عشيقها، وتسكن بشكل مستقل في القرن التاسع عشر، لنستعد لمشاهدة امرأة متحررة على جميع الأصعدة في مجتمع لا يتقبل عمل المرأة حتى. ومع سحب رخصتها، تخسر ليديا استقلاليتها في السكن، لتنتقل للعيش مع شقيقها وعائلته. ولإظهار المزيد من تفرد ليديا، نجدها في مقابل زوجة شقيقها تيريزا المحافظة والمرأة المثالية لذلك الزمن، لكن رغم كونها امرأة محافظة، لا تحاول إعاقة ليديا، لا سيّما أن شقيق الزوجة، الصحافي ياكوبو، هو أحد أكبر الداعمين للمحامية الشابة.
واحدة من أبرز إيجابيات المسلسل كانت السينوغرافيا المتميزة التي نقلت مدينة تورينو الإيطالية بأفضل ما يمكن أن يكون في المخيال عن مدينة كهذه، لا سيما في الحلقة الأولى التي تدور أحداثها في مسرح باليه، لنكون أمام دور العرض الإيطالية البديعة. وفي حلقات أخرى، نجد أنفسنا وسط الحفلات الماجنة السرية حيث يرتدي الجميع أقنعة. وتكتمل هذه السينوغرافيا بالأزياء المختلفة التي ترتديها البطلة كامرأة عصرية من القرن التاسع عشر. يمكن اعتبار العمل تجربة بصرية متميزة لعشاق الأعمال التي تدور في الفترات الكلاسيكية.
يفرض العمل نفسه منذ البداية كمسلسل تحقيق، إذ تبدأ الحلقة الأولى مع جريمة كما عادة أعمال الجرائم والتحقيق، لتحصل ليديا بعدها على موكلها الأول الفقير الذي لا تستطيع والدته دفع أجر محامٍ رجل. مع تقاعس القضاء عن التحقيق لصالح رجل فقير، تزور ليديا جنازة الضحية لتطرح الأسئلة، وتستكشف مسرح الجريمة، والمشرحة حيث الجثة وكلّ الأدلة التي يمكن الحصول عليها، لتثبت في النهاية براءة موكلها بعد مواجهة القاتل بالأدلة، مع فخ نصبته لتمسك به بمساعدة شقيقها وياكوبو متلبساً.
تتكرر هذه الطريقة في أغلب القضايا التي تتعامل معها ليديا كونها الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها الإمساك بالجاني الحقيقي، من دون طرق التحقيق الحديثة، خصوصاً مع فقدانها للمصداقية لكونها امرأة. لذا، فرغم أنّ العمل يتناول محامية، لا تناقش القوانين كثيراً ولا تدور الأحداث في قاعات المحكمة، إنما في ساحات الجريمة التي تقتحمها ليديا مع ياكوبو بشكل غير قانوني، ليكون مسلسل جريمة وتشويق من طراز شيرلوك هولمز، فنحن هنا أمام محققة مستقلة، وليست محامية فحسب.
لا نسمع كثيراً عن القوانين الجنائية وغيرها في المسلسل في مقابل التحقيق في التفاصيل، لكنّ العمل لم يكن خالياً من الجانب الفكري إنما على العكس. في خلفية القصة، تدور نضالات الحركة الفوضوية (الأناركية) الإيطالية على أكثر من مستوى، من دون أن يتبنى العمل موقفاً واضحاً من الحركة بالسلب والإيجاب، وهذه نقطة تحسب للعمل.
نشطت الحركة الفوضوية في منتصف القرن التاسع عشر، أي في الفترة التي تدور فيها أحداث العمل، ولأنّ ليديا بويت عملت لصالح المهمشين، كان من المنطقي وجود عمال أناركيين في قائمة موكليها. وفي المقابل، احترم الأناركيون الذين يدعمون المساواة بين الرجل والمرأة عمل ليديا بويت من دون تشكيك، فيقول لها أحد العمال: "لست مثل أولئك الهمجيين" قاصداً أبناء النظام الأبوي الذين لا يعترفون بالمرأة العاملة والمستقلة.
في الوقت نفسه، لا تظهر النسوية كحركة منفصلة عن الحركات الأخرى سوى في المشهد الأخير، حين تحتشد النساء أمام منزل ليديا بويت لدعمها بعد خسارتها للاستئناف. لم يتحول المسلسل إلى عمل فج بما يتعلق بالحقوق كعادة "نتفليكس". على العكس كانت الخلفية التي تنشط فيها الحركات الثورية جزءاً من متعة العمل والتشويق والأسرار التي يتعين على ليديا بويت كشفها خلال المسلسل.