العدوان والنزوح المتكرر يفاقمان معاناة الصحافيين غزة

15 يونيو 2024
صحافيان يبكيان في جنازة الصحافي محمد أبو حطب في غزة، 3 نوفمبر 2023 (عبد زقوت/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الصحافيون الفلسطينيون في غزة يعانون من ضغوط نفسية متزايدة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، مما أثر سلبًا على حالتهم النفسية وزاد من التوتر والقلق في حياتهم اليومية.
- يواجهون تحديات متعددة تشمل نقص المعدات والإمكانيات، وصعوبات اجتماعية بسبب النزوح المستمر، إلى جانب الأعباء النفسية والجسدية نتيجة مشاركتهم معاناة الشعب الفلسطيني.
- الأحداث المتلاحقة والمشاهد المؤلمة تؤثر سلبًا على الحالة النفسية للصحافيين، مع ضغوط متزايدة بسبب التهديدات لحرية العمل الصحافي والاستهداف المباشر، مما يعكس الوضع الخطير للصحافيين في غزة.

يواجه الصحافيون الفلسطينيون في قطاع غزة ضغوطاً نفسية هائلة ومتزايدة يوماً بعد يوم جراء استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع للشهر التاسع على التوالي، من دون أي قسط من الراحة الجسدية أو المعنوية التي يُمكنها أن تخفف الآثار السلبية للأحداث المتفاقمة.

وتتسبب الأحداث الدامية منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ومشاهد القتل والدماء والأشلاء والدمار بخلق واقع نفسي سيئ، أدى وفق خُبراء ومُختصين نفسيين إلى إصابة ما يزيد عن ثلثي الفلسطينيين باضطرابات ما بعد الصدمة نتيجة العدوان الذي يستهدف المدنيين وبيوتهم ومناطق سكنهم بالدرجة الأولى، فيما يزيد تواصل الأحداث خطورة الواقع النفسي المتدهور.

ويتعرض الصحافيون من ضمن المجموع الفلسطيني للصدمات المباشرة على مدار الوقت نتيجة وجودهم الدائم على خطوط التماس الأولى مع الأحداث المتلاحقة، وهو ما يبقيهم في دائرة الضغط والتوتر والقلق الدائمين، سواء على سير التغطية الإعلامية، أو على أسرهم وعائلاتهم التي تعيش المصير ذاته مع باقي المدنيين.

ويواجه الصحافيون في غزة مجموعة من التحديات منذ انطلاق الشرارة الأولى للعدوان، سواء على الصعيد المهني والنقص في المعدات والإمكانيات العملية بفعل انقطاع الكهرباء والإنترنت وشبكات الاتصال، أو على الصعيد الاجتماعي من خلال تواصل حالة النزوح من منطقة إلى أخرى جراء الاستهداف المباشر والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة.

ويوضح الصحافي أسامة الكحلوت أن الصحافيين يتشاركون مع باقي أبناء الشعب الفلسطيني في الواقع الصعب والخطير، والذي أدى إلى استشهاد وفقدان وإصابة أكثر من 130 ألف فلسطيني، وهو ما يزيد الأعباء والإرهاق النفسي المترافق مع الإرهاق الجسدي منذ شهور طويلة.

ويضيف الكحلوت، في حديث مع "العربي الجديد": "نعيش في دوامة لا تتوقف، تجتمع فيها ضغوط العمل ونقص المعدات والإمكانيات وانعدام الأمن الشخصي، والتفكير المتواصل في الأسرة، خاصةً في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الجميع، وتنعدم فيها أبسط مقومات الحياة الطبيعية".

ويشير الكحلوت إلى أنّ القلق الدائم من تعرض المُقربين للأذى ينعكس سلباً على الحالة النفسية للصحافيين خلال تغطيتهم الميدانية للأحداث المتلاحقة، ويقول: "نحاول تناسي ذلك الواقع والتغاضي عنه قدر المستطاع حتى نتمكن من تصدير الرسائل الصوتية والصور والفيديوهات التي تكشف مدى بشاعة الاستهدافات بحق المدنيين".

كما يزيد تواصل التهديدات الخاصة بحرية العمل الصحافي وإبقاء الصحافيين على مدار الوقت في دائرة الاستهداف الضغوط النفسية، خاصة في ظل المشاهدات المستمرة للدماء والأشلاء والدمار والخراب والركام الذي تخلفه الطائرات الحربية وآلة الحرب الإسرائيلية.

الصحافية فداء حلس تشير في حديث مع "العربي الجديد"، إلى العواقب النفسية الوخيمة للأحداث المُتلاحقة على الصحافيين، والتي تجتمع فيها الأزمات الشخصية والاجتماعية والمهنية والعملية، مع الخطر العام لتواصل الاستهداف الإسرائيلي للمدنيين والمؤسسات الصحافية العاملة التي تنقل مجريات الأحداث.

وتلفت حلس إلى أنها لم تتمكن من العمل في الأيام الأولى للعدوان، إذ أنجبت طفلها في اليوم الرابع، ثمّ قصف بيت قريب منها، ما أدى إلى إصابتها مع عائلتها بجراح طفيفة. تلت ذلك مجموعة من عمليات النزوح داخل مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، حتى اليوم السابع والعشرين للحرب، والذي شهِد نزوح أسرتها نحو مدينة رفح، جنوبي القطاع.

وتشير حلس إلى تعرضها لعدد من الإشكاليات الفنية في العمل بعد نزوحها، واضطرارها للتصوير عبر الهاتف المحمول، بعد بقاء المصور في مدينة غزة. تقول: "الألم موجود في كل مكان، وفي عيون كل من صادفناه خلال إعداد التقارير الصحافية التي تعكس معاناة الناس ومدى الصعوبات والمخاطر التي تواجههم على مدار الوقت".

وتبينّ أنّ تغطية الأحداث الصعبة، ومشاهد الفراق والقتل والدمار تؤثر سلباً على الحالة النفسية للصحافيين الذين يعيشون الظروف ذاتها، والتي قد تدفعهم للبكاء في بعض الأحيان، حتى أنها باتت تشعر بأنّ تلك التأثيرات السلبية انتقلت إلى طفلها الرضيع الذي تعرض للمرض أكثر من مرة.

فيما يرى مدرب السلامة المهنية الصحافي سامي أبو سالم أن الصحافيين يتعرضون على مدار الوقت ومنذ أكثر من تسعة أشهر لضغوط نفسية من مختلف النواحي، سواء على الصعيد الأسري، وحالات النزوح المتتالية، التي وصلت إلى أكثر من عشر مرات، أو على الصعيد الشخصي وانعدام الأمان، إضافة إلى الصعيدين العملي والمهني.

ويلفت أبو سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن طول أمد الحرب تسبب بخلق مجموعة من المشاعر السلبية لدى الصحافيين، وفي مقدمتها القلق والتوتر على مدار الوقت بفعل ملامستهم المباشرة للأحداث، علاوةً على عدم الاستقرار بفعل التفكير الدائم في النزوح من منطقة إلى أخرى نتيجة التهديدات الإسرائيلية والاستهداف المباشر للمدنيين.

أما في ما يتعلق بأدوات السلامة المهنية، فيرى أبو سالم أنها لم تعد مجدية في ظل تواصل الحرب وتأثيراتها الشرسة على الصحافيين، إذ "لا تُعير قوات الاحتلال الإسرائيلي بالاً للبزات الزرقاء أو لأدوات السلامة التي تميّز الإعلاميين عن غيرهم (..) حتى أن الاحتياطات اللوجستية والشخصية والغذائية نفدت بفعل طول أمد الحرب وانعدام البدائل".

ويستذكر أبو سالم مثالاً خاصاً به يعكس فظاعة الحرب وتأثيرها السلبي على الصحافيين. يقول: "حين يتم فتح باب سيارة الإسعاف يهيّأ لنا أننا سنشاهد أقاربنا أو أفراداً من أُسرنا، وقد فوجئت في إحدى المرات بفتاة اعتقدت أنها ابنتي، قبل أن أكتشف أنها فتاة أخرى من حذائها". يتابع: "لدينا مئات الأفكار التي يجب الكتابة عنها، إلا أننا نعجز في الكثير من المرات بسبب ضعف الإمكانيات، المترافقة مع حالة التشتت والأوضاع النفسية المتردية".

يذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت أكثر من 140 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي منذ السابع من أكتوبر، ويبلغ عدد الصحافيين المخفيين قسرياً 12 صحافيّاً من غزة، غالبيتهم اعتقلوا خلال العدوان الواسع الذي شنه الاحتلال على مستشفى الشفاء في غزة.

المساهمون