خلصت لجنة خبراء دوليين أخيراً إلى أنّ تدمير الطبيعة وتفشي استخدام المبيدات الحشرية هما الدافعان الرئيسيان وراء الفقدان المتسارع للنحل وأنواع الملقحات الأخرى في مختلف أنحاء العالم.
وقد ساهمت التحولات في استخدام الأراضي لمصلحة المحاصيل الأحادية، وتوسيع رعي الماشية، والاستخدام واسع النطاق للأسمدة الكيميائية، كثيراً في القضاء على النحل، بحسب مؤشر عالمي لأسباب تراجع الملقحات وآثاره. ولتضاؤل أعداد الملقحات عواقب وخيمة قد تصيب السكان في العالم أجمع.
ويرتدي النحل والفراشات والدبابير والخنافس والخفافيش والذباب والطيور الطنانة التي توزع حبوب اللقاح، أهمية كبيرة لتكاثر أكثر من ثلاثة أرباع المحاصيل الغذائية والنباتات المزهرة، بما فيها البن والسلجم ومعظم أنواع الفواكه.
وقالت لين ديكس، وهي أستاذة في قسم علم الحيوان في جامعة كامبريدج والمعدة الرئيسية للدراسة التي نشرت نتائجها مجلة "نيتشر إيكولوجي أند إيفوليوشن" إنّ "ما يحدث للملقحات يمكن أن تكون له آثار ضارة هائلة على البشرية".
تدمير الطبيعة وتفشي استخدام المبيدات الحشرية والتحولات في استخدام الأراضي لمصلحة المحاصيل الأحادية، وتوسيع رعي الماشية، والاستخدام الواسع النطاق للأسمدة الكيميائية وتغير المناخ من الأسباب المباشرة لتراجع الملقحات
وأضافت في بيان: "تؤدي هذه المخلوقات الصغيرة أدواراً مركزية في النظم البيئية في العالم، بما يشمل أنظمة يعتمد عليها البشر والحيوانات الأخرى في التغذية". وحذرت ديكس من أنه "في حال زوال النحل، سنكون أمام وضع حرج".
وشهد العالم زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف في إنتاج الغذاء المعتمد على الملقحات، بقيمة تقرب من 600 مليار دولار سنوياً، على مدار الأعوام الخمسين الماضية، بحسب تقرير بارز أصدرته الأمم المتحدة عام 2016 وساهمت فيه ديكس.
وللحصول على نظرة عامة محدثة عن حالة الملقحات والمخاطر المرتبطة بتراجعها، عملت ديكس مع 20 عالماً وممثلاً لمجموعات السكان الأصليين من كل أنحاء العالم. وقد اختلفت أسباب التدهور وتبعاته عبر المناطق.
وصُنفت حالات النفوق الجماعي جراء المرض وما يُسمى اضطراب انهيار المستعمرات في خلايا النحل الصناعية وغيرها من "الملقحات المدارة" على أنها عالية المخاطر في أميركا الشمالية ، حيث تؤدي دوراً رئيسياً في إنتاج التفاح واللوز.
وفي أفريقيا ومنطقة آسيا - المحيط الهادئ وأميركا اللاتينية، وهي مناطق يعتمد فيها سكان الريف الأكثر فقراً على أغذية الزراعة البرية، يشكل تأثير انخفاض الملقحات على النباتات والفواكه البرية خطراً جسيماً.
ويُنظر إلى أميركا اللاتينية على أنها المنطقة التي ستواجه أفدح الخسائر في هذا المجال. وتُعتبر المحاصيل الملقحة بالحشرات مثل الكاجو وفول الصويا والبن والكاكاو ضرورية لإمدادات المنطقة الغذائية والتجارة الدولية.
ويعتمد السكان الأصليون أيضاً كثيراً على النباتات الملقحة، مع بعض أنواع الملقحات مثل الطيور الطنانة الحاضرة في الثقافة والتاريخ الشفهي.
أميركا اللاتينية المنطقة التي ستواجه أفدح الخسائر
وقال توم بريز، المشارك في إعداد الدراسة، وهو باحث في معهد بحوث الاقتصاد البيئي في جامعة ريدينغ، إنّ "هذه الدراسة تسلط الضوء على حجم النقص في المعلومات بشأن تراجع الملقحات والتأثيرات في المجتمعات البشرية، ولا سيما في أجزاء من العالم النامي".
وفي الصين والهند اللتين تعتمدان بنحو متزايد على محاصيل الفاكهة والخضر التي تحتاج إلى الملقحات، من شأن فقدان المصادر الطبيعية أن يدفع إلى القيام أحياناً ببعض المهام التي توفرها الملقحات بصورة يدوية.
وقالت ديكس: "غالباً ما تكون الملقحات أكثر ممثل مباشر عن العالم الطبيعي في حياتنا اليومية"، مضيفة: "نلاحظ ونشعر بخسارتها". وتابعت قائلة: "نحن في خضمّ أزمة انقراض الأجناس، لكن هذا الأمر غير ملموس لكثيرين"، محذرة من أنّ "الملقحات قد تشكل طليعة الأجناس في مسار الانقراض الجماعي".
وأشارت الدراسة إلى أنّ هناك دافعاً آخر محتملاً لتراجع الملقحات من المرجح أن يزداد سوءاً، وهو تغير المناخ.
وبيّنت أن بعض أنواع الطيور الطنانة في أميركا اللاتينية، على سبيل المثال، يمكنها فقط جمع الرحيق وحبوب اللقاح في الظل، في أثناء موجات الحر المتكررة، ما يجعل من الصعب لها توفير الغذاء اللازم، بحسب إحدى الدراسات.
(فرانس برس)