الصومال: تغطية الانتخابات تفاقم العنف ضد الصحافيين

07 فبراير 2022
كان آخر استهداف العام الماضي للصحافي البارز محمد إبراهيم معلمو (صداق محمد/الأناضول)
+ الخط -

ما زالت التهديدات الأمنية والاعتداءات الجسدية والمضايقات تلف العمل الصحافي في الصومال. ويستمر مسلسل استهداف الصحافيين من دون توفّر ملاحقات قضائية ضد قتلة الصحافيين في البلاد، لوقف الجرائم ضدهم. وفيما كان العام الماضي حافلاً بالانتهاكات، تغذي تغطية الانتخابات التشريعية والرئاسية، والتي تُجرى في 25 فبراير/شباط الحالي، الاعتداءات ضد الصحافيين، بداية هذا العام، خصوصاً بعد نشرهم انتقادات لفاعلين أو لآليات إجراء الانتخابات. 

وبدأ هذا العام باستهداف عشرة صحافيين في الصومال؛ إذ داهمت شرطة محلية في مدينة بلدوين (وسط البلاد) إذاعة محلية، واحتجزت طاقمها الصحافي لمدة ساعات وأغلقت بثها لمدة 15 ساعة. يقول محمد عثمان مكران مدير إذاعة "هيران وين" في اتصال مع "العربي الجديد" إن "قوات من الشرطة المحلية (12 عسكراً) اقتحمت فجر 12 يناير/ كانون الثاني الماضي، وأتلفت باب الإذاعة، وأمرت بوقف البث المباشر، وشرعت في الاعتداء على الطاقم الصحافي الموجود في الإذاعة في ذلك اليوم، واقتادت سبعة منهم، من بينهم مدير الموظفين عبدالله علي أبوبكر، ومدير التحرير ياسين علي أحمد، وأغلقت المحطة حتى إشعار آخر". ويشير إلى أن "مسؤولي الإذاعة لم يتلقوا أي إشعار أو تنبيه من السلطة الأمنية في المدينة، ولا مذكرة استدعاء أو تهمة موجهة من النيابة العامة قبل توقيفهم عن العمل، وإغلاق الإذاعة التي توقف بثها لمدة ساعات، دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء هذا الانتهاك والمضايقات من الشرطة المحلية".

تغطية الانتخابات البرلمانية هي المغذي الرئيسي وراء استهداف الصحافيين من قبل الشرطة المحلية، خاصة بعد بثهم شكاوى وانتقادات لآليات إجرائها

ويضيف أنه "بعد ثماني ساعات، تم الإفراج عن الطاقم الصحافي للإذاعة وسمح لنا بمزاولة العمل من جديد واستئناف البث المباشر للإذاعة بعد 15 ساعة من احتجابها قسراً، دون تقديم الزملاء الصحافيين المحتجزين إلى المحكمة بعد خمس عشرة ساعة من الاحتجاز التعسفي في السجن المركزي في المدينة". 

وحول أسباب استهداف إذاعة "هيران"، يقول مديرها إن "إدارة المحطة كانت تتلقى في الفترة الأخيرة تهديدات من قبل يوسف أحمد هكر نائب حاكم ولاية هرشبيلي الفيدرالية، باستهداف صحافييها بالقتل أو السجن، إذا لم تتوقف الإذاعة عن بث تقاريرها التي ترصد فيها الفساد الذي يشوب إجراء عملية تنظيم الانتخابات التشريعية التي تشهدها الولاية، إلى جانب بثها لمقابلات مع شيوخ العشائر والمرشحين الذين يتهمون الإدارة المحلية بتزوير مقاعدهم الانتخابية، لكن ترجمت كل التهديدات إلى اقتحام لمقرها من قبل الشرطة في صباح يوم عمل عادي كانت الإذاعة تبث برامجها الحوارية بشكل طبيعي".
 
في سياق متصل، اقتحمت شرطة محلية شبكة إعلامية على الإنترنت في مدينة عبدواق (وسط البلاد) في 30 من يناير/ كانون الثاني الماضي. وجاء هذا الاقتحام الأمني لمقر الشبكة (إذاعة وتلفزيون) بعدما أجرت مقابلات مع عدد من أفراد الشرطة الذين أضربوا عن العمل بسبب عدم صرف مرتباتهم الشهرية. 

ويقول الصحافي مهد حليف الذي كان يناوب في العمل صباح اقتحام محطة "سويال" الإعلامية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أفراد الشبكة فوجئوا بهزة عنيفة، تبين لاحقاً أن سيارة مصفحة اقتحمت الباب الرئيسي لمقر الشبكة. اقتحموا استوديو الإذاعة، وشرعوا في تقييدي وجمع مواد الصحافيين، الأقراص الصلبة، وسجلاتهم، ثم اقتادوني إلى مكان مجهول وتحت ظل الشجرة خارج المدينة، بدلاً إلى السجن العام في المدينة، وبقيت هناك معصوب العينين ومقيد اليدين والرجلين لمدة ست ساعات". ويضيف مهد أنه "بعد هذه الفترة من الاحتجاز التعسفي نقلوني إلى مركز الشرطة في المدينة، دون توضيحات لاستهدافي، ومكثت هذه الليلة في مقر الشرطة وبتّ فيها، وبعدها أطلق سراحي. دون معرفة سبب احتجازي ليوم كامل".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ويقول الصحافي مهد: "أُخبِرت لاحقاً أن سبب استهدافي جاء نتيجة للمقابلات التي أجريتها مع عدد من الشرطيين الذين كانوا يشكون من عدم حصولهم على مستحقاتهم لمدة شهرين. تمت هذه المقابلات في مقر الشرطة في مدينة عبدواق، دون أن تمتنع الشرطة عن مقابلاتنا مع أفراد الشرطة، بل تلقينا اتصالاً من قيادة الشرطة نفسها لبث شكاوى أفراد الشرطة حول تأخّر صرف مرتباتهم. لكن المفاجأة والسؤال: لماذا استهدفت الشرطة محطتنا إذا كانت تغطيتنا مع أفراد الشرطة تمت تحت سمع وبصر قيادات الشرطة في المدينة؟". ويوضح مهد أن "استهداف الشبكة الإعلامية جاء من القيادات العليا في ولاية جلمدغ، خاصة نائب رئيس الولاية وعمدة مدينة عبدواق وقائد الشرطة المحلية، وهذا الاستهداف التعسفي يخالف الأعراف والقوانين الصحافية في البلاد، فضلاً عن ترويع الصحافيين وتدمير ممتلكات الشبكة الإعلامية". 

دانت نقابات صحافية صومالية استهداف الصحافيين في وسط البلاد، وأعربت عن شجبها وأسفها إزاء تكرار الاعتداءات والانتهاكات بحق الصحافيين. وحثت تلك النقابات المسؤولين في إدارة ولاية جلمدغ الفيدرالية على تقصي واقعة استهداف محطة (سويال) في مدينة عبدواق ومحاسبة أفراد الشرطة الذين اعتدوا على هذه المحطة الإعلامية المحلية. 

من جانبه، يقول نقيب الصحافيين الصوماليين، عبدالله مومن، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الأسبوعين الأخيرين في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي شهدا موجة جديدة من الاعتداءات بحق الصحافيين في البلاد؛ وأن قرابة 20 صحافياً واجهوا كبت واعتداءات الشرطة المحلية في مناطق مختلفة من البلاد. 

وحول استهداف الصحافيين، يقول مومن إن "تغطية الانتخابات البرلمانية من قبل الصحافيين هي المغذي الرئيسي وراء استهداف الصحافيين من قبل الشرطة المحلية، وخاصة بعد بثهم شكاوى وانتقادات لآليات إجراء تنظيم الانتخابات التشريعية، أو نتيجة عدم الاستجابة لأوامر الشرطة المحلية في تغطية الانتخابات على نحو لا يخدم سياسات الإدارات الفيدرالية المحلية، وهذه الاعتداءات ضد الصحافيين تأتي من قبل أجهزة الشرطة المحلية في الولايات الفيدرالية في البلاد". 

عام 2022 لا يبشر بخير بالنسبة للصحافيين الصوماليين؛ إذ تم استهداف نحو عشرين صحافياً في مناطق متفرقة من البلاد

ويضيف عبدالله مومن، أن "عام 2022 لا يبشر بخير بالنسبة للصحافيين الصوماليين؛ إذ تم استهداف نحو عشرين صحافياً في مناطق متفرقة من البلاد في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وهذا ما يعكس تصاعد الاعتداءات والانتهاكات ضد الصحافيين في البلاد، مقارنة بالأعوام الماضية".

وكان العام الماضي حافلاً بالانتهاكات التي واجهها الصحافيون جنوب وشمال البلاد، تضمن أيضاً استهداف مسؤولين صحافيين كبار، فُخّخت سياراتهم أو استُهدفوا من قبل انتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة. وكان آخر استهداف للصحافي البارز والناطق باسم الحكومة الصومالية محمد إبراهيم معلمو والذي أصيب بجروح متوسطة في يناير/ كانون الثاني الماضي في مقديشو، عندما استهدف انتحاري يرتدي حزاماً ناسفاً فجر نفسه عندما اقترب من سيارة الصحافي. هذا فضلاً عن استهداف مدير إذاعة مقديشو أواخر عام 2021 في مقهى شعبي، قُتل إثر تعرضه لإصاباتٍ خطيرة في جسده، عندما استهدف انتحاري مفخخ سيارته، بالقرب من مقر جهاز المخابرات المركزي في مقديشو.

وبحسب مراقبين، فإنه في فترة الانتقال السياسي في الصومال تتصاعد حدة الجرائم بحق الصحافيين، نتيجة تغطياتهم الصحافية التي لا تعجب بعض الأطراف المتصارعة في البلاد، وهو ما قد يؤدي إلى استهدافهم من قبل مجهولين أو الشرطة المحلية. ويبدو أن تغطية الانتخابات من قبل الصحافيين أصبحت سبباً آخر في استهداف الإعلاميين في بلد لا يزال يصنف من بين أخطر الدول التي يعمل فيها الصحافيون في العالم.

المساهمون