الصحافيون في 2022: جرائم قتل على كلّ الجبهات

25 يناير 2023
اغتال الاحتلال شيرين أبو عاقلة في مايو 2022 (عصام الريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

وصفت لجنة حماية الصحافيين عام 2022 بأنّه كان "دموياً" على العاملين في القطاع، إذ قتل خلاله 67 صحافياً وعاملاً إعلامياً على الأقل، في حصيلة هي الأعلى منذ 2018، وبارتفاع نسبته نحو 50 في المائة عن 2021، وسط تصاعد حاد في الجرائم المرتكبة في أميركا اللاتينية.

في تقريرها السنوي الصادر أمس الثلاثاء، أكدت لجنة حماية الصحافيين مقتل ما لا يقل عن 41 صحافياً وموظفاً إعلامياً لأسباب ترتبط مباشرة بعملهم. أكثر من نصف جرائم القتل الـ67 وقعت في ثلاثة بلدان فقط: أوكرانيا (15) والمكسيك (13) وهايتي (7)، وهي أعلى أرقام سنوية تسجلها لهذه البلدان على الإطلاق. في المكسيك وهايتي، كان المراسلون الصحافيون "هدفاً لعمليات قتل وحشية" بسبب عملهم، وفقاً للجنة التي أشارت إلى أنّ الغالبية العظمى من مرتكبي هذه الجرائم لم تحاسب.

تتتبّع اللجنة ثلاثة أنواع من جرائم قتل الصحافيين المرتبطة بعملهم: جرائم القتل المستهدفة بغرض الانتقام من الصحافي على تغطيته الإعلامية، وهذه هي الفئة الأكبر إلى الآن، ومقتل الصحافيين في المعارك أو من جراء النيران المتقاطعة، ووفاة الصحافيين في مهمات أخرى خطرة. كما توثّق مقتل العاملين المساندين في المجال الإعلامي كالمترجمين والسائقين وحراس الأمن، وسجلت حالة واحدة من هذا النوع خلال عام 2022 وقعت في كازاخستان.

وضمن ما خلصت اللجنة إليه في تقريرها أنّ جريمة قتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، في مايو/ أيار الماضي، تسلط الضوء على إفلات إسرائيل من العقاب. ورأت أنّ "الحكومة الإسرائيلية أخفقت حتى الآن في إجراء تحقيق شفاف في مقتل شيرين أبو عاقلة، أو اتخاذ أي خطوات لجلب المسؤولين عنه للعدالة". وشددت اللجنة على أنّ اغتيال أبو عاقلة شكّل "الحلقة الأحدث في سلسلة إفلات إسرائيل من العقاب عن جرائمها بحق الصحافة" إذ تمّ بعد عام على قصف الاحتلال الإسرائيلي لمبانٍ عدة في قطاع غزة تضم مكاتب لمؤسسات إعلامية، بينها مكاتب وكالة أسوشييتد برس وقناة الجزيرة. وكان صحافيان فلسطينيان آخران على الأقل، وهما ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، قُتلا عام 2018، بعد إطلاق الرصاص عليهما أثناء تغطيتهما للتظاهرات في قطاع غزة، وتوصلت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة لاحقاً إلى أنّ قناصة إسرائيليين أطلقوا النار عليهما عمداً. ولفتت اللجنة إلى أنّ "السلطات الإسرائيلية لم توضح إلى الآن ما هي التحقيقات، إن وجدت، التي باشرت بها، أو ما إذا كان قد تم جلب أي شخص للعدالة عن مقتل هذين الصحافيين".

كما نبهت اللجنة إلى أنّ الصحافيين الذين يغطون الحرب الأوكرانية يواجهون "أخطاراً هائلة"، إذ قُتل ما لا يقل عن 15 منهم خلال عام 2022، إثر قيام روسيا بغزو شامل لهذا البلد في 24 فبراير/ شباط من العام. وأكدت أنّ 13 صحافياً من هؤلاء قُتلوا أثناء انهماكهم في جمع الأخبار والتغطية الصحافية، بينما لا تزال تحقق في مقتل صحافيَين آخرَين. قُتل معظم هؤلاء في المراحل الأولى من الحرب، فيما لم توثق اللجنة أي حالة قتل لصحافي مرتبطة بعمله في أوكرانيا منذ مقتل المصور الفرنسي فريدريك ليكريك-إمهوف، أواخر مايو الماضي.

وعلى الرغم من الحرب الدائرة في أوكرانيا، فإنّ أميركا اللاتينية كانت المنطقة "الأكثر فتكاً" بالعاملين في الصحافة خلال العام الماضي. وثَّقت لجنة حماية الصحافيين مقتل 30 صحافياً هناك، أي نحو نصف إجمالي عدد الصحافيين الذين قُتلوا على مستوى العالم "ما يعكس الحجم غير المألوف للخطر الذي يواجهه الصحافيون في هذه المنطقة، أثناء تغطيتهم لموضوعات من قبيل الجريمة، والفساد، وعنف العصابات، والشؤون البيئية". ووفقاً للجنة، قُتل 12 صحافياً على الأقل لأسباب ترتبط ارتباطاً مباشراً بعملهم في أميركا اللاتينية، فيما لا تزال تحقق في الدوافع وراء مقتل 18 آخرين.

وفي المكسيك، وثّقت اللجنة مقتل 13 صحافياً، وهو أعلى رقم على الإطلاق تسجله المكسيك في سنة واحدة. وفي ثلاث من هذه الحالات، قُتل الصحافيون انتقاماً منهم بسبب تغطيتهم لأخبار الجريمة والسياسة، وقد تلقوا تهديدات قبل مقتلهم. وتحقِّق اللجنة في الدوافع وراء مقتل الصحافيين العشرة الآخرين. في المكسيك قوانين وهيئات تتعامل تحديداً مع حماية الصحافيين، على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي، ولكن ثبت "عدم نجاعة هذه الآليات في المحافظة على أمن الصحافيين وسلامتهم"، وفقاً للجنة غير الحكومية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها. فقد كانت الصحافية الإذاعية المخضرمة، ماريا غوادالوبي لورديس مالدونادو لوبيز، مسجلة لدى آلية الحماية في ولاية باها كاليفورنيا، لكنها قُتلت رمياً بالرصاص في سيارتها في مدينة تيوانا في المكسيك في يناير/ كانون الثاني 2022. كما كانت السلطات على وشك إدراج الصحافيَين، ألفونسو مارغريتو مارتينيز إسكيبيل وأرماندو ليناريس لوبيز، في آلية الحماية الفيدرالية المكسيكية قبل مقتلهما.

وفي هايتي، واجه الصحافيون الذين يغطون أخبار عنف العصابات والأزمة السياسية وحالة الاضطراب الأهلي التي فجرها اغتيال الرئيس جوفينيل موييس، في يوليو/ تموز 2021، تصاعداً مقلقاً في الهجمات العنيفة ضد الصحافة. فخلال عام 2022، قُتل خمسة صحافيين على الأقل لأسباب ترتبط بعملهم، بينما تحقِّق اللجنة في الدوافع التي تقف وراء مقتل الصحافيين الآخرين. في حالتين من هذه الحالات قُتل الصحافيان على يد الشرطة.

كما وثّقت لجنة حماية الصحافيين مقتل أربعة صحافيين لدوافع ترتبط بعملهم في البرازيل وتشيلي وكولومبيا، ولا تزال تحقق في الدوافع وراء مقتل ستة مراسلين صحافيين في كولومبيا والإكوادور وغواتيمالا وهندوراس وباراغواي.

يشكل المراسلون الصحافيون المحليون الذين يغطون أخبار السياسة والجريمة والفساد أهدافاً متكررة، فقد استهدفت جميع جرائم القتل الأربع التي وقعت في الفيليبين صحافيين إذاعيين كانوا يغطون الأخبار السياسية المحلية، ما يبرز حجم الأخطار التي تواجهها الصحافة في هذا البلد الذي شهد، في يونيو/ حزيران، انتقال مقاليد الحكم إلى إدارة الرئيس فرديناند ماركوس الابن. وشكل إطلاق النار على المذيع بيرسيفال ماباسا وقتله، في أكتوبر/ تشرين الأول، "واحدة من حالات القتل السافرة بوجه خاص التي أثارت مشاعر غضب واحتجاجا بين الصحافيين في الفيليبين"، حيث زعمت الشرطة في وقت لاحق أن رئيس مكتب الإصلاح ومسؤول سجن آخر هما من أمرا بقتل ماباسا للانتقام منه، بسبب قيامه ببث مزاعم تتعلق بالفساد.

شهد عام 2022 أيضاً أول جريمة قتل لصحافي أميركي مرتبطة بعمله، منذ أطلق رجل مسلح النار على خمسة موظفين في صحيفة كابيتال غازيت، في ولاية ميريلاند عام 2018، وأرداهم قتلى. ففي سبتمبر/ أيلول 2022 طُعن مراسل صحيفة لاس فيغاس جورنال، جيف جيرمان، حتى الموت، على يد مسؤول محلي كان يأمل الفوز بالانتخابات، لكنه خسر إثر تغطية أوردها جيرمان حول مزاعم تتعلق بسوء الإدارة في مكتبه. اعتُقل الجاني بعد وقت وجيز من الجريمة، ووُجهت إليه تهمة القتل.

كذلك قُتل مراسل صحافي آخر يغطي شؤون الفساد خلال عام 2022، وهو الباكستاني أرشد شريف الذي تعرض لإطلاق رصاص أطلقته الشرطة الكينية في ضواحي العاصمة نيروبي، في أكتوبر، مما أدى إلى مقتله. عمل شريف سابقاً مذيعاً تلفزيونياً في باكستان حيث كان ينتقد ممارسات الفساد. وقال محققون باكستانيون إن مقتله "عملية اغتيال مخطط لها وموجهة ضده"، وليس حالة خطأ في تحديد الهوية كما زعمت الشرطة الكينية. ولم تُوجّه اتهامات إلى أي شخص على خلفية هذه الجريمة.

المساهمون