الصحافية أسماء هريش تحكي عن أهوال سجن الدامون

16 نوفمبر 2024
الصحافية الفلسطينية أسماء هريش (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ظروف الاعتقال القاسية في سجن الدامون: عانت الصحافية أسماء هريش من ضغوطات وإجراءات قمعية، بالإضافة إلى الخوف الناتج عن أصوات الانفجارات وصافرات الإنذار، مما زاد من معاناتها النفسية.

- الاعتقال الإداري وسوء المعاملة: اعتقلت هريش دون تهمة واضحة، وفقدت 18 كيلوغراماً بسبب سوء التغذية. تعرضت لمعاملة قاسية، حيث صودرت ملابسها الشخصية واستبدلت بملابس السجن غير الملائمة.

- الظروف القاسية في سجن الشارون: وصفت هريش سجن الشارون بأنه أسوأ من الدامون، حيث تعرضت لتفتيش شبه عارٍ وظروف مزرية، مما زاد من معاناتها النفسية والجسدية.

تعود مخيّلة الصحافية الفلسطينية أسماء هريش (32 عاماً) من بلدة بيتونيا، غربي رام الله، وسط الضفة الغربية، إلى سجن الدامون الإسرائيلي في جبال الكرمل في حيفا، شمالي فلسطين، في كل مرة تسمع فيها أخباراً عن صافرات إنذار في حيفا ومحيطها، رغم مضي قرابة شهر ونصف على الإفراج عنها، فهي خبرت في الفترة الأخيرة من اعتقالها أصوات الانفجارات. كانت الفترة الأخيرة من اعتقالها الذي دام ستة أشهر صعبة، كما تروي لـ"العربي الجديد"، فمن جهة ازدادت الضغوطات والإجراءات القمعية، ومن جهة أخرى تكثف الاستهداف الصاروخي لحيفا ومحيطها، وكانت أصوات الانفجارات الكبيرة تسبب الخوف والرعب لكثير من الأسيرات، كما قالت، وبشكل خاص الأسيرات اللواتي لم يتجاوزن سن 17 أو 18 عاماً. تقول هريش إن هذا الأمر يشكل لها حالياً ردة فعل عكسية، فهي في بيتها لكنها لا تزال هناك مع الأسيرات اللواتي يعشن حالة من الرعب، وبعضهن كن يبكين في مثل تلك اللحظات، فالسجانون حين تفعّل صافرات الإنذار يتركون القسم الذي تحتجز فيه الأسيرات الفلسطينيات، ويذهبون غالباً إلى الملاجئ لحماية أنفسهم، في حين يتركون الأسيرات في حالة القلق والخوف لوحدهن، ولا يعرفن ما الذي يحصل في الخارج سوى سماع أصوات الانفجارات القوية.

اعتقلت الصحافية الفلسطينية في إبريل/ نيسان الماضي، وحولتها سلطات الاحتلال للاعتقال الإداري بلا تهمة لثلاثة أشهر، جرى تمديدها لثلاثة أشهر إضافية، ليفرج عنها في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقد فقدت 18 كيلوغراماً من وزنها، فهي اضطرت للصيام أربعة أشهر بسبب سوء وشح الطعام المقدم. وتقول هريش إن الفترة الأخيرة من سجنها كانت أكثر صعوبة على الأسيرات، وتحديداً منذ منتصف أغسطس/ آب الماضي، بعد تغيير إدارة السجن. ففي أيامها الأخيرة دخلت أسيرات جدد إلى السجن بعد مصادرة عباءاتهن وجلابيبهن، واستبدالها بملابس السجن الصيفية، وهي عبارة عن بلوزة بيضاء نصف كم وبنطال من دون مراعاة أنهن محجبات، بل إن إحدى الأسيرات أدخلت إلى السجن وقد صادرت إدارة السجن حجابها.

اقتحامات في سجن الدامون

عانت السجينات القديمات من اقتحامات السجانين العنيفة لغرفهن. في بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، اقتحمت الغرفة التي تحتجز فيها هريش مع تسع أسيرات. كانت إدارة السجن قد أبلغتهن بموعد فحص قضبان النوافذ، فارتدين ملابس الصلاة وتجهزن للفحص الدوري، لكنهن فوجئن باقتحام زنزاتهن من 15 مجنداً من قوات اليمام المقنعين والمجهزين بكل أدوات القمع، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع وغاز الفلفل والهراوات، وقاموا بتقييد أيدي الأسيرات، ونقلهن واحدة تلو الأخرى إلى حمام الغرفة لتفتيشهن. حاولت الأسيرات رفض إخضاعهن للتفتيش العاري داخل الحمام، لكن المجندات هددنهن بفتح باب الحمام المطل على الغرفة المليئة بالجنود، فاضطررن للقبول، لكن كان لذلك وقع كبير وسيئ عليهن. تقول هريش: "دخلنا في حالة من الصدمة والاكتئاب والبكاء لمدة أربعة أيام، بسبب هذا الاقتحام والطريقة التي تم تفتيشنا بها".

تكرر الاقتحام في 25 سبتمبر وطاول جميع الأسيرات البالغ عددهن 95، عقاباً على إرجاعهن وجبة العشاء، احتجاجاً على نقل الأسيرة عبلة سعدات، زوجة الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأسير أحمد سعدات، إلى العزل الانفرادي رغم بلوغها 67 عاماً، مع العلم أنّها ثاني أسيرة تعزل خلال الأشهر الماضية، بعد العضو السابق في المجلس التشريعي الفلسطيني خالدة جرار.

نقلت الأسيرات إلى المكان المخصص لاستحمامهن، وإلى مخزن في السجن، والهدف تفتيش ملابسهن لضمان عدم ارتداء أي أسيرة للباس إضافي، في الوقت الذي قامت به إدارة السجن بمصادرة باقي الملابس وفرش ومعجون الأسنان والشامبو وخيوط كانت الأسيرات تسحبها من أغطية رؤوسهن لاستخدامها في خياطة الملابس. حتّى إن الجنود فتشوا وسادة أسماء هريش وصادروا معطفاً كانت وضعته داخل الوسادة لتصبح أكثر سماكة لتستطيع النوم عليها.

ليس ذلك كل شيء، بل إن كميات الطعام المقدمة على قلتها وسوئها صارت أقل وأصغر بعد هذه الواقعة، إذ إنّ الطعام يعد من وسائل التعذيب المستمر ضد الأسيرات. تروي هريش معاناتها الخاصة، فهي اضطرت كما تقول للصيام لأربعة أشهر بشكل شبه متواصل، فكثير من مكونات الوجبات المقدمة من إدارة السجن لا تستطيع أكلها، مثل النقانق والبيض والجبنة الصفراء، فضلاً عن وصول الطعام، كالأرز والنقانق في أحيان كثيرة، غير ناضج، وبعض الوجبات تصل وعليها حشرات. فضّلت هريش أن تجمع يومياً ما يمكن أن تأكله من الوجبات المختلفة في وجبة واحدة هي الإفطار بعد أذان المغرب، وتعطي ما لا تستطيع أكله للأسيرات الأخريات، وهو حال أدى بها لفقدان 18 كيلوغراماً، ومعاناة متكررة من الدوار، كلما وقفت أو جلست أو تحركت، إضافة إلى إصابتها بالهزال والخمول، ما حرمها الشيء الوحيد الممكن في السجن، وهو ممارسة الرياضة. كما اكتشفت بعد خروجها من السجن هبوطاً في نسبة الدم، ونقصاً في الفيتامينات، واستمرار حالة التعب العام لفترة بعد الإفراج عنها.

أيام صعبة في "الشارون"

رغم ظروف الاعتقال الصعبة في سجن الدامون، إلّا أنّ الأصعب بالنسبة لهريش كانت المرحلة الانتقالية التي قضتها معتقلة في سجن الشارون، بعد نقلها من سجن عوفر الذي أرسلت إليه في البداية. تقول أسماء هريش: "الشارون يساوي كل فترة السجن، سجن سيئ جداً جداً جداً". بعد اعتقالها معصوبة الأعين ومكبلة الأيدي، تركت في ساحة معسكر على الأرض لثماني ساعات وسط شتائم من المجندات والجنود، وبعد استجواب وتحقيق في سجن عوفر شمل أسئلة عن صور قامت بتصويرها لفعاليات جماهيرية، أعلمت بأنها معتقلة إدارياً؛ ثم نقلت إلى سجن الشارون. في سجن الشارون، وقبل نقلها إلى الزنزانة خضعت أسماء لعملية تفتيش شبه عارٕ، وخرجت تبكي وسط استهزاء من الجنود والمجندات، لكن المفاجأة بالنسبة لها كانت طريقها نحو الزنزانة وهي مقيدة. تقول: "سجناء مدنيون ذكور يرتدون لباس السجن البرتقالي، وقد لاحظت عليهم تصرفات غريبة في الساحة، شعرت كأنني في مستشفى للمجانين".

دخلت هريش إلى الزنزانة ووجدت أسيرة قد وصلت قبلها، ورغم لحظة اطمئنان بوجود أحد آخر معها، فقد تسلل الخوف إليهما معا، وسط أصوات السجناء وصراخهم وضحكاتهم، بل والشتائم التي يوجهونها لهما.

اعتقلت هريش في شهر رمضان، لكنها لم تكن تعرف الوقت، فهي في زنزانة تحت الأرض فيها نافذة صغيرة جداً، لذا كانت هي ومن معها ينتظران التأكد من النافذة بأن الليل قد حل من أجل الإفطار. أما ظروف الزنزانة الصغيرة فكانت مأساوية، كاميرتا مراقبة فيها، وحمام مفتوح عليها بدون باب أو ساتر، مع فرشة قذرة، مما اضطرهما لوضع معطفيهما عليها لتتمكنا من النوم. أما الطعام فكان سيئاً جداً، وفي النهار يسحب الجنود الفرشات، ما يضطرهما للسير في الغرفة أحياناً وجلوس القرفصاء أحياناً، بسبب امتلاء الأرض بمياه الحمام.

بقيت هريش ليومين بلا طعام بسبب سوئه، وبدون أن تستخدم الحمام بسبب وجود كاميرات مراقبة في الزنزانة، قبل أن تنقل إلى الطابق الأعلى إلى غرفة أكبر. في اليوم التالي، جلب الجنود أسيرتين أخريين إلى الزنزانة الصغيرة، هما ابنتا زميلتها في الزنزانة، وكانتا حاملين، ومع نهاية اليوم نقلوا جميعاً إلى غرفة أكبر في الطابق العلوي، كانت بين غرف السجناء المدنيين، ما تسبب برعب لهن بسبب أصوات صراخ بعض السجناء ليلاً. رغم أن ظروف الغرفة الجديدة كانت أفضل إلا أنّها سيئة ومتسخة، ما اضطرها لتنظيف الحمام بفرشاة أسنان قديمة وبواقي شامبو وجدتها في الغرفة. كما تعرضت بعض الأسيرات لحساسية في الجلد.

هذه المشكلات انتقلت معها لاحقاً إلى سجن الدامون الذي نقلت إليه، خاصةً في الفترة الأخيرة، إذ عانت الأسيرات من كل شيء، فقلصت مدة الفورة (فترة الخروج إلى الساحة) من ساعة إلى 15 دقيقة، ومن ضمنها مدة الاستحمام. والاستحمام بحد ذاته معاناة أخرى، إذ ثمة ستة أماكن مخصصة للاستحمام فقط، ويجب على 30 أسيرة استعمالها في فترة لا تتجاوز 15 دقيقة.

المساهمون