الصحافيان ماريا ريسّا ودميتري موراتوف يتسلّمان جائزة نوبل للسلام

10 ديسمبر 2021
تسلّمت ريسّا وموراتوف الجائزة في أوسلو حضورياً (بير أولي هيغن/Getty)
+ الخط -

تسلّم صحافيان من الفيليبين وروسيا جائزة نوبل للسلام، اليوم الجمعة، في احتفاليّة أقيمت في أوسلو، بالرغم من مخاوف ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا، محذّرين من أنّ وسائل الإعلام في بلديهما في خطر. وتسلّمت الفيليبينية ماريا ريسّا  والروسي دميتري موراتوف الجائزة التي تكرم هذه السنة مهنة الصحافة التي تواجه أخطارًا عدة.

الجائزة عبارة عن شهادة وميدالية من الذهب وعشرة ملايين كرونة سويدية (حوالى 975 ألف يورو)، وتسلّمها الصحافيان ضمن مراسم مقتضبة بسبب جائحة كوفيد-19 في مقر بلدية أوسلو.

وبسبب الجائحة أيضاً، تلقى الفائزون بجوائز نوبل الأخرى، من طب وفيزياء وكيمياء وآداب واقتصاد، جوائزهم خلال الأسبوع الحالي في بلدان إقامتهم بدلاً من استوكهولم، لكن تنظّم مراسم على شرفهم اليوم الجمعة في العاصمة السويدية بحضور العائلة الملكية.

في كلمتها خلال الحفل، قالت الصحافية ماريا ريسّا "أقف أمامكم، ممثلة عن كل صحافي في جميع أنحاء العالم مجبر على التضحية بالكثير من أجل التمسك بخطه، والبقاء وفياً لقيمنا ورسالتنا: تقديم الحقيقة لكم ومحاسبة السلطة". وتذكّرت ريسّا بغصّة الكثير من الصحافيين الذين دفعوا أرواحهم ثمناً لعملهم، كجمال خاشقجي ودافني غاليزيا وزملاء في الفيليبين وصحافيين مساجين حول العالم.

واعتبرت أنّ "أكثر ما نحتاج إليه اليوم هو تحويل الكراهية والعنف، الترسب السام الذي يتعقب عبر نظام المعلومات لدينا، والذي تعطيه الأولوية شركات الإنترنت الأميركية التي تجني المزيد من المال من خلال نشر تلك الكراهية وإثارة الأسوأ فينا".

وأشارت إلى أنّ المرة الأخيرة التي حصل فيها صحافي على الجائزة عام 1936، لم يصل إلى أوسلو أبدًا لأنه عانى في معسكر اعتقال نازي، معتبرةً أنها وموراتوف محظوظان لكونهما يستطيعان التحدث إلى الجمهور حالياً، لكنّها أشارت إلى أنّ هناك الكثير من الصحافيين المضطهدين في العالم لا يزالون في الظل، بينما تضاعف الحكومات من معاناتهم بسبب الإفلات من العقاب.

وحملت ريسا التي تحدثت عن مسيرتها الصحافية وما تواجهه من احتمالات بالسجن 100 عام في بلدها، على شركات التكنولوجيا وما يحدث في منصاتها من انتشار الأخبار الكاذبة والكراهية، مشيرةً إلى أنّ "ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي لا يبقى على وسائل التواصل الاجتماعي. فالعنف على الإنترنت هو عنف حقيقي في العالم".

وقالت "يُعد "فيسبوك" أكبر موزع للأخبار في العالم، ومع ذلك فقد أظهرت الدراسات أن الأكاذيب المليئة بالغضب والكراهية تنتشر بشكل أسرع وأكثر من الحقائق على وسائل التواصل الاجتماعي". وأضافت "هذه الشركات الأميركية التي تتحكم في نظامنا البيئي العالمي للمعلومات متحيزة ضد الحقائق، ومتحيزة ضد الصحافيين. إنهم - حسب التصميم - يقسموننا ويجعلوننا متطرفين".

وأكدت أننا "بحاجة إلى مساعدة الصحافة المستقلة على البقاء، أولاً من خلال توفير حماية أكبر للصحافيين ومواجهة الدول التي تستهدف الصحافيين. ثم نحتاج إلى معالجة انهيار النموذج الإعلاني للصحافة".

وختمت بالدعوة إلى البناء وإيقاف الإفلات من العقاب، مضيفةً "لقد حدث الدمار. حان الوقت الآن للبناء - لخلق العالم الذي نريده".

من جانبه، قال دميتري موراتوف في كلمته التي عدد فيها أسماء زملائه الصحافيين المقتولين بسبب تأدية عملهم، "لقد توقف العالم عن حب الديمقراطية. لقد أصيب العالم بخيبة أمل من النخبة الحاكمة. بدأ العالم يتحول إلى الديكتاتورية. لدينا وهم أنه يمكن تحقيق التقدم من خلال التكنولوجيا والعنف، وليس من خلال حقوق الإنسان والحريات"، متسائلاً "أهذا تقدم بدون حرية؟".

وأضاف: "نحن صحافيون، ومهمتنا واضحة - التمييز بين الحقائق والخيال. يعرف الجيل الجديد من الصحافيين المحترفين كيفية التعامل مع البيانات الضخمة وقواعد البيانات. الحقائق تتحدث عن نفسها"، مستعرضاً اللاجئين الواصلين إلى بيلاروسيا للعبور إلى أوروبا.

كما تحدث عن سجن المعارض الروسي أليكسي نافالني الذي كان موراتوف قد قال سابقاً إنه يستحق الجائزة أكثر منه. وبينما أهدى الجائزة إلى الصحافيين الذين رحلوا من "نوفايا غازيتا" وحول العالم، قال "بالمناسبة، لا يزال يتم طبع "نوفايا غازيتا" ورقياً، حتى يتمكن السجناء أيضًا من قراءتها نظرًا لعدم وجود إنترنت في السجون".

وأشار إلى أنّ "الصحافة في روسيا تمر عبر وادٍ مظلم. تم مؤخراً تصنيف أكثر من مائة من الصحافيين ووسائل الإعلام والمدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية على أنهم "عملاء أجانب". في روسيا، هذا يعني "أعداء الشعب". لقد فقد العديد من زملائنا وظائفهم، فيما البعض يضطر لمغادرة البلاد".

وبينما طلب أن يقف الجميع دقيقة صمتٍ عن أرواح الصحافيين الذين دفعوا حياتهم ثمناً لعملهم، قال "أريد أن يموت الصحافيون كباراً في السن".

ريسّا هي مشاركة في تأسيس موقع "رابلر" الإخباري، ومعرّضة للسجن في بلادها، وموراتوف هو رئيس تحرير صحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية المستقلة، وأعلن عن فوزهما بجائزة نوبل للسلام في مطلع تشرين الأول/أكتوبر لنضالهما من أجل "المحافظة على حرية التعبير". والخميس، جدّدت رئيسة لجنة نوبل النرويجية بيريت ريس-أندرسن تأكيدها أن "سلامة المجتمع والديمقراطية رهن بمعلومات يمكن الوثوق بها"، منددةً بالدعاية والتضليل الإعلامي والأنباء الكاذبة. إلا أن الصحافة المستقلة والحرة مهددة في العالم.

تشرف ريسّا على موقع "رابلر "الاستقصائي المنتقد جدًا الرئيس دوتيرتي. وهي تواجه سبع ملاحقات قضائية في بلادها. قبيل تسلّمها الجائزة، تحدّثت ريسّا، البالغة 58 عاماً، عن المخاطر التي تواجهها مع زملائها العاملين في الفيليبين، والذين قتل يوم الأربعاء الماضي أحدهم، وهو جيس مالابانان، مراسل صحيفة "مانيلا ستاندارد"، بالرصاص حينما كان يشاهد التلفزيون، قائلةً "كأن هناك سيفاً مسلّطاً فوق رؤوسنا... القوانين قائمة اليوم في الفيليبين لكن... حين تنقلون المعلومات الحساسة جدًا، تقومون بذلك على مسؤوليتكم".

حُكم على ريسّا العام الماضي بعد إدانتها بتهمة التشهير، وبقيت طليقة في ظل نظام الحرية المشروطة بانتظار قرار محكمة الاستئناف، واضطرّت إلى التقدم بطلبات إلى أربع محاكم للحصول على إذن بالسفر لتسلم جائزتها. وردًا على سؤال لمعرفة إن كانت الجائزة العريقة حسَّنت وضع الصحافة في بلادها المصنفة في المرتبة 138 على قائمة حرية الصحافة التي تعدها منظمة "مراسلون بلا حدود"، أجابت ريسّا بالنفي.

من جانبه، يدير موراتوف، البالغ 60 عاماً، واحدة من وسائل الإعلام المستقلة القليلة في المشهد الإعلامي الروسي، في ظلّ تضييق تواجهه وسائل الإعلام بتصنيفها "عملاء أجانب"، ما يصعّب عملها في البلاد. فصحيفة "نوفايا غازيتا" معروفة بتحقيقاتها حول الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان في الشيشان، وقد خسرت ستة من صحافييها منذ التسعينيات، من بينهم الصحافية الشهيرة آنا بوليتكوفسكايا التي اغتيلت عام 2006 بستّ رصاصات.

وردًا على سؤال حول احتمال أن يصنف "عميلاً أجنبياً"، قال موراتوف الخميس: "إذا كان ثمن جائزة نوبل للسلام تصنيفنا عملاء للخارج، فليكن". وتابع "لا أعتقد أن هذا التصنيف سيُطلق علينا. في المقابل، نواجه مخاطر أخرى". وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حذّر، الشهر الماضي، من أنّ "جائزة نوبل لا تشكل درعاً تقي من هذا التصنيف". ويطاول هذا التصنيف من تتهمهم السلطات بالحصول على "تمويل خارجي" ويقومون "بنشاط سياسي"، وهو غالباً ما يلصق بصحافيين ووسائل إعلام تنتقد الكرملين.

وتفيد بيانات جمعتها "مراسلون بلا حدود" حتى الأول من كانون الأول/ديسمبر الحالي، ونقلتها "فرانس برس"، بأن ما لا يقل عن 1636 صحافياً قتلوا في العالم في السنوات العشرين الأخيرة، من بينهم 46 منذ مطلع السنة الحالية. من جانبها، أعلنت "لجنة حماية الصحافيين" أنّ عدد الصحافيين المسجونين في العالم بلغ مستوى مرتفعاً بعدد 293. 

المساهمون