السوري عمار صابر... حياة أخرى بين الخيول

07 سبتمبر 2023
يطمح إلى توسيع مزرعته (العربي الجديد)
+ الخط -

بأسنانه المكسورة من التعذيب، يستقبلنا عمار صابر (35 عاماً) بابتسامة عريضة، خلال زيارتنا له في مزرعته في قرية البارتير جنوب مدينة سرقسطة الواقعة شمالي إسبانيا.
ينحدر صابر من بلدة زبدين في ريف دمشق، وقد كان شاهداً على مجزرة الكيميائي في الغوطة عام 2015، وهي المجزرة التي اعتقل بعدها، ليقضي أكثر من عام في سجن المخابرات الجوية في المزة في دمشق، قبل أن يطلق سراحه، فيترك بلاده نحو لبنان، ثم الجزائر، ثم إسبانيا.
في الجزائر، عمل صابر في تربية الخيول، لكنه اختار من هناك السفر إلى إسبانيا التي وصل إليها في تاريخ لا يذكره جيداً، نظراً إلى أن التعذيب الذي تعرض له في المعتقل خلّف عنده مشكلات في الذاكرة وصرعاً. لكنّه يقدّر أنه وصل إلى إسبانيا نهاية 2016.
ما إن وصل صابر إلى إسبانيا حتى بدأ رحلة البحث عن تحقيق علمه، واستعادة حياته، من خلال تربية الخيول. وهو العمل الذي كان يمارسه في سورية قبل الثورة عام 2011، إذ إنه ترعرع في عائلة تمتلك الخيول وتربّيها.
في حديثه مع "العربي الجديد" يقول صابر "بعد وصولي بأيام قليلة إلى مدينة ملقا، بحثت على (غوغل) عن مزارع الخيول، وبدأت بزيارتها واحدة تلو الأخرى على أمل أن أجد عملاً". لكن الحظ لم يحالفه بسبب غياب أي قدرة على التفاهم مع أصحاب المزارع باللغات المختلفة، لكن "عند زيارتي لسابع مزرعة، طلبت من صاحبها أن أعمل لديه مجاناً من خلال تنظيف الخيول".
لم يخبر صابر صاحب المزرعة أنه مدرب خيول معتمد، وأنه مساعد سابق لطبيب بيطري لمدة عامين، "بسبب رغبتي في فهم آلية عمل المزارع في إسبانيا".
بعد شهر من العمل مجاناً، يقول عمار إن صاحب المزرعة بدأ يلاحظ كيف يتعامل مع الخيول تدريباً وترويضاً، وعلاج المصابة منها من دون الحاجة إلى زيارة الطبيب البيطري. هنا اكتشف صاحب المكان أن الشاب السوري خبير في شؤون الخيول ومنحه وظيفة ومسكناً، "عندها بدأت تجربتي في العمل بشكل رسمي في إسبانيا عام 2017".
لكن حلم صابر كان أكبر من العمل في مزرعة للخيول، أراد تأسيس مزرعته وتربية وتدريب الخيول. وهو ما حصل بعد أشهر، عندما اشترى مع رجل أعمال فلسطيني مزرعة دجاج معروضة للبيع في قرية البارتير جنوب مدينة سرقسطة. 
يبلغ عدد سكان البارتير 600 نسمة فقط، أغلبهم من كبار السن. ورغم قصر المسافة عن مدينة سرقسطة (نحو 45 دقيقة في السيارة) إلا أن غالبية منازلها فارغة ومهجورة.
في حديث مع "العربي الجديد" تقول ممثلة بلدية البارتير سارة غوميز إن المجلس البلدي "عندما علم بمشروع عامر، قدم جميع التسهيلات اللازمة لاستصدار التصاريح والأوراق اللازمة... فهذا المشروع يساعد في تطوير السياحة في المنطقة كثيراً، وكان استقبال الجيران له مذهلاً، فوجوده هنا سيكون مهماً جداً، إذ سيساعدنا اقتصادياً وسياحياً".
الترحيب الذي لاقاه صابر في القرية كان كبيراً، "لم أضطر قط إلى دفع ثمن فنجان قهوة في مقاهي القرية".
ويشرح أنه مع بداية المشروع "قدّم لي كثيرون جراراتهم الزراعية لتسهيل عمليات البناء، وتوصيل المياه والكهرباء مجاناً". هذا التعاون دفع صابر إلى الشعور بالامتنان الشديد كما يقول، وبالتالي أخبر المجلس المحلي أن مزرعته مفتوحة للرحلات الصيفية والمدرسية مجاناً، كما أن أي طفل من أطفال الرقية يرغب في ركوب الخيل مرحب به.
اليوم يبلغ عدد الخيول التي يملكها صابر 22 منها، منها خيول عربية أصيلة، وخيول أندلسية إسبانية بسلالات مختلفة.

وتحتوي المزرعة على عيادة بيطرية، فيها أحدث المعدات، منها أجهزة تجميد الحيوانات المنوية للخيول العربية الأصيلة، للقيام لاحقاً في العيادة بعمليات التخصيب وحتى نقل الأجنة.
ومن خلال عمليات التخصيب المنتظرة، يهدف صابر إلى الحصول على خيول للمشاركة في البطولات المحلية والأوروبية، مثل ماراثونات الخيول والسرعة، والقفز عن الحواجز، ومسابقات جمال الخيول العربية الأصيلة، التي يعتبر نفسه متخصصاً فيها.
لدى عامر ثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر ثمانية أعوام واسمه فارس. يسعى الطفل الذي يركب الخيل إلى أن يمارس نفس مهنة والده في تربية وتدريب الخيول.
ما سبق يجعل صابر يدرك جيداً أهمية الأمان الذي يكبر فيه أولاده، بعيداً عمّا عاشه هو نفسه في سورية، "لا أريد لأطفالي أن يعيشوا ما عشته من حصار في الغوطة الشرقية إلى هجمات الكيميائي والبراميل المتفجرة".

المساهمون