السرديات الإسرائيلية تهيمن على تغطية "رويترز" للعدوان على غزة

20 يناير 2024
أولت "رويترز" الأهمية للرسائل الإسرائيلية (Getty)
+ الخط -

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تركزت التغطية الإخبارية حول العالم على ما يحدث في القطاع. وانقسمت الغرف الإخبارية حول العالم، وبرزت أصوات كثيرة تحلل التغطية الإعلامية للعدوان الإسرائيلي، لما فيها من استنسابية وانحياز إلى جانب الاحتلال في معظم الأحيان.

وتصدر الأخبار اليومية الوكالات العالمية الرئيسية: "رويترز" و"أسوشييتد برس" و"فرانس برس". "تومسون رويترز" تعدّ ثاني أكبر مؤسسة إخبارية في العالم، إذ تقدم محتوى إخبارياً يشاهده يومياً مليار شخص حول العالم. وليس من قبيل المبالغة القول إن تقاريرها لها تأثير عالمي كبير.

لذلك، أجرت الباحثة المستقلة آنّا سيف تحليلاً لتقارير "رويترز" عن العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، نشره موقع ذا نيو آراب (النسخة الإنكليزية من "العربي الجديد")، خلصت فيه إلى أن تغطية هذه الوكالة الإخبارية تتماهى بشكل واضح مع السردية الإسرائيلية، وتنزع ما يحصل في الأراضي الفلسطينية من سياقه، كما تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم.

تغطية "رويترز" لأعداد الشهداء

لفتت آنّا سيف إلى أن "الخلط غير العادي بين القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين ينكر بلا خجل الثمن المدمر المدفوع في حياة الفلسطينيين".

في أحد تقاريرها، كتبت "رويترز": "لقد اتسمت الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023 بالصراع في الشرق الأوسط، الذي أودى بحياة الآلاف من الأرواح، وترك العائلات في جميع أنحاء إسرائيل وغزة وخارجها قلقة أو حزينة". هذه الصيغة توحي بأن عدد الشهداء الفلسطينيين والقتلى الإسرائيليين متقارب، وتغفل اختلال توازن القوى المتأصل بين الاحتلال والمحتل، وفقاً للكاتبة.

وعندما يتعلق الأمر بالإصابات في صفوف الإسرائيليين، حتى بين الجنود، تنشر "رويترز" قصصاً عاطفية تضفي طابعاً شخصياً على القتلى، كما هو الحال مع تقرير حديث عن مقتل شاب إسرائيلي كان يأمل المشاركة في مسابقة الأغنية الأوروبية.

إذ جاء في تقرير لـ"رويترز" عنه: "كان يرتدي الزي العسكري وخطوط الملازم، وغنى أغنية شعبية، وحصل على الضوء الأخضر للجولة التالية في عملية الاختيار... يقول في منشور له في 14 ديسمبر/كانون الأول على فيسبوك: هذا العام كان مختلفاً في خيالي، تصورته عام الطموح وعيش أحلامي".

في المقابل، نادراً ما تقدّم "رويترز" هذا النوع من القصص الإنسانية عندما يتعلق الأمر بعشرات آلاف الفلسطينيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي.

3 اختبارات فشلت فيها "رويترز"

ركزّ بحث سيف على ثلاثة أحداث رئيسية منذ 7 أكتوبر: العدوان الإسرائيلي على مستشفى الشفاء، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وعملية طوفان الأقصى.

1. مستشفى الشفاء

لأيام عدة، فرضت قوات الاحتلال حصاراً على مستشفى الشفاء، وأطلقت النار على الفلسطينيين داخله وعلى من حاولوا الفرار. أثناء ذلك، نشرت "رويترز" مزاعم الجيش الاسرائيلي بأن المستشفى يقع فوق أنفاق تضم مقر قيادة لمقاتلي حركة حماس الذين يستخدمون المرضى دروعاً بشرية.

وعندما كان العدوان على المستشفى مستعراً، حظيت الرسائل الإسرائيلية الرسمية بأهمية كبيرة من قبل "رويترز"، وفاقت إلى حد كبير تغطية عمليات القتل وترويع المرضى والنازحين والطاقم الطبي.

في وقت لاحق، لم يُعثر على أي دليل على وجود "مركز قيادة" تحت مستشفى الشفاء، لكن "رويترز" لم تصحّح زيف الادعاءات الإسرائيلية.

2. عملية تبادل الرهائن والأسرى

حظي إطلاق سراح 110 رهائن إسرائيليين باهتمام كبير من "رويترز"، فقد كتبت عن قصص الأفراد ومحنتهم، وفقدانهم أحبائهم، ولم شملهم السعيد مع العائلة، وحتى حيواناتهم الأليفة.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

في المقابل، عندما أُطلق سراح الأسرى الفلسطينيين، وغالبيتهم سجناء سياسيون اعتقلوا وسُجنوا من دون إدانة، لم تعكس تغطية "رويترز" مشاعر المحررين، وعندما تطرقت إلى التهمة القانونية، لم توضّحها بشكل كامل. 

ورأت سيف أن "مثل هذا الإغفال يسيء تفسير حقيقة عنف الاحتلال وإشعاله أعمال المقاومة هذه".

ومن بين المفرج عنهم 107 أطفال، سُجنوا بسبب جرائم "ضد أمن إسرائيل"، مثل رشق الحجارة أو توجيه رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن نادراً ما تصف "رويترز" الأطفال الفلسطينيين السجناء بأنهم أطفال أصلاً، بل تقول إنهم "مراهقين" أو "قاصرين". ولا تُقدَّم أي معلومات أساسية عن الصدمة التي تعرّضوا لها أو قصصهم الشخصية.

ولفتت سيف إلى أن هذه الوكالة الإخبارية العالمية "تمتلك الموارد اللازمة، وكان بإمكانها إجراء مقابلات مع المزيد من عائلات الأسرى لسرد قصصهم الإنسانية".

3. عملية طوفان الأقصى

وصفت "رويترز" عملية طوفان الأقصى التي نفذها المقاومون الفلسطينيون على النحو التالي: "اجتاح مقاتلو حماس جنوب إسرائيل، وقتلوا المدنيين. قُتل نحو 1200 شخص، وجُرَّ 240 شخصاً كرهائن إلى غزة، وفقاً لإحصائيات إسرائيل، في اليوم الأكثر دموية في تاريخها الممتد 75 عاماً". ويتكرّر هذا الوصف بأشكال مختلفة في كل مقال تقريباً حول العدوان الإسرائيلي المتواصل. 

وجاء في أحد تقارير "رويترز": "تعهدت إسرائيل بسحق حركة حماس التي تحكم قطاع غزة رداً على الهجوم الأكثر دموية على اليهود منذ المحرقة، عندما تدفق مئات المسلحين عبر السياج العازل واقتحموا البلدات الإسرائيلية". 

وأشارت الباحثة إلى أن "استخدام مثل هذه اللغة العاطفية في كثير من الأحيان في تقارير رويترز كسياق للقصف الإسرائيلي لغزة، يمنح القراء إطاراً سياقياً لرؤية وتبرير الوفيات الفلسطينية".

وعلى العكس من ذلك، تكتب "رويترز" في وصفها للشهداء في غزة: "قالت السلطات الصحية الفلسطينية إن ما يقرب من 21 ألف شخص قتلوا في الغارات الإسرائيلية، مع مخاوف من دفن آلاف آخرين تحت الأنقاض".

هذه الصيغة تتكرّر منذ بدء العدوان الإسرائيلي، ولا تُعدّل إلا لتوثيق العدد المتزايد من الشهداء. وكتبت سيف: "من المؤكد أن الأرقام تتحدث عن نفسها، لكن الطريقة الروتينية التي تنشر بها رويترز الإحصائيات تجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم".

وأوضحت أن "السياق الذي يستند إليه الحديث عن القصف العشوائي للفلسطينيين هو في الغالب إطار انتقامي إسرائيلي. لكن على العكس من ذلك، لم يقدم أي سياق لهجمات 7 أكتوبر".

في جميع المقالات التي حلّلتها الباحثة، لم تذكر حقيقة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 17 عاماً على غزة، وتصنيف الأمم المتحدة للقطاع أنه أرض محتلة إسرائيلياً. تشير "رويترز" إلى غزة أنها "جيب ساحلي"، متجاهلةً حقيقة 75 عاماً من النزوح الفلسطيني، وأن 80 في المائة من الفلسطينيين في غزة هم لاجئون منذ عام 1948.

المصادر الإسرائيلية أولاً

لاحظت الباحثة أن "رويترز" تعتمد بشكل غير متناسب على المصادر الإسرائيلية، وتهيمن على مقالات عدة لهجة الرسائل الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن "المصادر القليلة التي تشهد على عمليات القتل والمعاناة الرهيبة في غزة تأتي من المنظمات الإنسانية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، ولا تُسمَع الأصوات الفلسطينية إلا في بعض الأحيان".

وتخلُص سيف إلى أن "تغطية رويترز، التي يشاهدها مليار قارئ يومياً، تتماشى مع المعتدي، فيما قد يثبت قريباً أنه نفذ إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية"، في إشارة إلى دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام هذه المحكمة ضد إسرائيل.

المساهمون