الزلزلة الكبرى

13 فبراير 2023
تسود بين السوريين حالة من الإحباط بعد الزلزال (هشام حق عمر/الأناضول)
+ الخط -

تدمي الصور والفيديوهات التي ترد من سورية القلوب، بل وتوقفها، وأعرف عدداً من الأصدقاء والمعارف توفوا بالجلطات القلبية أو نقلوا إلى المستشفيات من جراء متابعة ما يجري هناك، والشعور بالعجز عن فعل شيء لإنقاذ الأهل والأحبّة والأرض والعرض، وفوق ذلك انعدام الأمل من وصول المساعدات التي تتعرض للسرقة من نظام غير أخلاقي داخل مناطق النظام ومن بعض الجمعيات والأفراد غير الأخلاقيين أيضاً في مناطق المعارضة.

انقسم السوريون، في ما انقسموا عليه، على تسمية الحراك الشعبي للثورة ضد نظام الأسد البائس الذي انطلق في آذار/ مارس 2011، فأطلق عليه بعضهم الثورة السورية ثم تدرجت هذه الفئة من تسمية "الثورة" إلى "الثورة المغدورة المتروكة"، ولاحقاً إلى "ثورة سرقها الظلاميون ومعهم العرب والغرب"، وصولاً إلى "ثورة السنة على العلويين".

فيما اصطنع خطاب النظام مؤامرة استعمارية دولية عربية رجعية تستخدم أدوات محلية أُطلق عليها اسم "المندسين"، وتبنى آخرون مصطلحات: الحرب الأهلية، والمحنة، والكابوس، والأزمة، وغيرها. وفي خضم هذه التسميات التي تحمل معها موقفاً اجتماعياً سياسياً مضمراً أو صريحاً نادت قلّة قليلة باسم الزلزلة السورية.

لم يكن ليدور بخلد أكثر المتشائمين أنّ ما اعتقدوا أنّه سينتهي بسبع سنوات عجاف أو عشرية سوداء سيمتد أكثر من ذلك، وسيتوج بزلازل جغرافي يكمل الزلزال السياسي والاجتماعي الكارثي الذي أصاب جسد سورية وروحها، حتّى وصل بعضهم للاستنتاج بأنّ سورية جثة تنتظر من يدفنها.

تسود في وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها "فيسبوك"، حيث يعيش معظم السوريين، خطابات اليأس والإحباط: "لم تشبع الكوارث من دمنا بعد"، و"بقي ظهور الزومبي"، و"لم يرتو القتل من دمنا"، و"فوق الموت عصة قبر".

وقبل الموت غصة جوع وبرد وحرمان، وفي المقدمة إجرام نظام قتل أحبتهم وسجن رجالهم ونساءهم ودمر البيوت والبلدات وأغلق كلّ نوافذ الأمل أمامهم وأمام كل السوريين بمن فيهم مؤيدوه، ما أدّى لنزوح وهجرة دائمة بقوارب الموت أو غيرها وفوق ذلك معاملة الذل والهوان أينما حلّوا أو ارتحلوا.

هل من أمل؟ هل من منفذ؟ كيف ننجو؟ ماذا نفعل؟ كيف نخفف عن أهلنا؟ ماذا نترك لأولادنا؟ ما المخرج؟

هذه الأسئلة وعشرات مثلها تقلقنا ليل نهار، وغالباً ما تكون الأجوبة هي الصمت ومزيد من التشاؤم والاكتئاب والاحتشاءات القلبية، ولكن!

هل ستنظّر علينا الآن؟

لا، ولكن انظروا إلى دعوات السوريين والعرب لإنقاذ العالقين تحت الردم ومساعدة الناجين، انظروا إلى حجم التبرعات، بل انظروا إلى حجم الألم، فعلى قدر حجم الألم يكون حجم الأمل.

انظروا إلى المبادرات الفردية والجماعية، انظروا إلى كلام الجميع بأنّه لا ثقة لهم بهذا النظام، فحتى من يعدّ من بيئة الموالاة صاروا مقتنعين بأنّ هذا النظام لا يحميهم، بل يحتمي بهم وأن لا همّ لقيادة هذا النظام سوى السرقة التي تصل إلى أوضع درجات الحضيض الأخلاقي.

ما زلت مقتنعاً بأن سورية قابلة للشفاء، ولكن التعافي يحتاج وقتاً طويلاً وشجاعة لا نظير لها وتضحيات، يحتاج لظهور قيادات شبابية من داخل المجتمع السوري في المنافي والمهاجر وفي مناطق النظام والمعارضة وقد بدأنا نشاهد ظهور بعضها ممن يتمتع بالصدق والأمانة ويحوز ثقة المجتمع المحلي. يحتاج إلى نخب جديدة بخطاب جديدٍ بعيدٍ عن التكلس والمناطقية والطائفية، توحّده رؤية سياسية استراتيجية لا تكتيكات شعبوية سلطوية.

بعد الزلزلة دائما تأتي القيامة وعسى أن تكون قيامة سورية من زلزلتها قريبة.

المساهمون