تقدّمت الدراما المشتركة وأخذت متسعاً من الإنتاج الدرامي العربي بشكل سنوي. واعتبر بعض النقاد أنّ السبب يعود إلى انعكاس ظروف المنطقة على صناعة الإنتاج الفني، من انفتاح السوق الخليجية لإنتاج أعمال أكثر تحرراً، وتدهور الصناعة الدرامية في سورية جراء الحرب، ونمو الإنتاج المشترك في لبنان بحضور نجوم سوريين، وتقلب الأوضاع في مصر، ما جعل الإنتاج لا يستمر تصاعدياً، بل يتراوح بين العلو والهبوط.
وسط ذلك كله، نمَت معادلات جديدة في الدراما المشتركة تكررت مع مرور السنوات، وتضاعف عدد الأعمال المنطوية تحت مظلة "بان آراب" واتسع مداها لتخرج من النطاق الرمضاني، إلى مسلسلات موسمية طويلة أو مسلسلات قصيرة لصالح المنصات الرقمية. إلا أنّ الشكوى التي أخذت تزداد من جانب فنانين سوريين ولبنانيين بسبب القالب المتكرر لثنائية البطولة في هذه الأعمال والمكونة من بطل سوري وبطلة لبنانية. وهذا ما أبعد نجمات سوريات ونجوما لبنانيين عن فرص لعب بطولة مطلقة، ودفع ببعضهم إلى اختيار أعمال غير موفقة أو التجريب بحقل آخر غير الدراما.
لكنّ بوادر تغير في هذه المعاملة بدأت تتشكل في الأشهر الأخيرة، بعد امتعاض قسم كبير من الجمهور من اختصار البطولة في الدراما المشتركة بعدد معين من الأسماء باتت تتزاحم طوال العام داخل الموسم الرمضاني وخارجه، فلا ينتهِ عرض مسلسل قصير على منصة رقمية لبطل معين، حتى يبدأ عرض مسلسل تلفزيوني له، وهكذا دواليك من دون توقف. ولربما هذا شكّل هاجساً لدى بعض المنتجين للتفكير خارج السرب، وعلى هذا بدأ تصوير مسلسل يحمل اسم "لغز الأقوياء" في لبنان وتجمع بطولته كل من الفنان اللبناني كارلوس عازار والفنانة السورية ريم نصر الدين، وبكادر سوري لبناني مشترك، ما يضع هذه الثنائية أمام الجمهور للمحاكمة في رمضان القادم.
كما أعلنت شبكة MBC عن بدء استعدادها لتصوير مسلسل جديد مأخوذ عن "فورمات" تركي يحمل اسم "ع الحلوة والمرة"، وكان مفاجئاً اختيار الفنان اللبناني نيقولا معوض للبطولة إلى جانب الفنانة السورية دانا مارديني، في نمطٍ مشابه لإنجاز مسلسل "عروس بيروت" وبالشكل الحديث لثنائية "البان آراب". ودون معرفة إذا ما كانت هذه التجارب ستحقق الأثر المطلوب منها جماهيرياً، خاصة مع تكريس صورة البطل السوري المندفع والبطلة اللبنانية صاحبة القوام الجميل والإطلالة المدروسة بعناية، ما قد يبدّل من طبيعة النصوص السائدة، ويفرض أشكالا جديدة من توازنات البطولة، وهو هاجس مقلق لبعض النجوم السوريين الذين باتوا شبه مسيطرين على مفهوم الدراما المشتركة.
ومع إدخال الفنان التونسي ظافر العابدين في الدراما المشتركة من بوابة مسلسل "عروس بيروت"، والحديث عن دور محتمل للفنان المغربي سعد لمجرد في مسلسل "الهيبة"، وتدرّب الفنان العراقي سيف نبيل على التمثيل بكثافة، يبدو أن دائرة الدراما المشتركة ستتسع من سورية ولبنان لتصل إلى دراما عربية مختلطة فيما بينها، ما يجمعها هي مكان تصوير الحدث وليس واقعية ارتباط الجنسيات ببعضها البعض والمبررات المنطقية لذلك. وهذا ما قد يؤدي بدوره إلى تراجع أكثر وطمس مستمر للدراما المحلية في المستقبل، سواء أكانت سورية أم لبنانية أم مغاربية.