يتذمر عدد كبير من الفنانين والمنتجين الكويتيين بشكل متواصل من تنامي الرقابة المشددة لوزارة الإعلام على أعمالهم الفنية. ويشتكي هؤلاء من غياب أي معايير واضحة أو تشريع ينظم عمل الرقابة، وهو ما يجعل مصير أعمالهم مرتبطاً بـ"مزاج" لجنة إجازة النصوص.
وعلى الرغم من أنّ مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) أقرّ عام 2007 قانون المرئي والمسموع، الذي يفترض أن ينظّم كل القضايا المرتبطة بالبث، إلا أنه لا يحظر أو يمنع بثّ أي عمل إلا في حالات محددة وواضحة مثل "المس بالذات الإلهية أو الملائكة أو القرآن الكريم أو الأنبياء أو الصحابة"، و"التحريض على قلب نظام الحكم في البلاد"...
وهذا التذمّر من الرقابة العشوائية ليس حكراً على العاملين في مجال الفنّ. بل تنتشر كل عام خلال شهر رمضان، على مواقع التواصل الاجتماعي، تدوينات وتغريدات تنتقد مقص الرقيب الذي جعل الأعمال الدرامية المحلية رديئة الجودة، من ناحية النص والتنفيذ، مقارنة بالمسلسلات التي كانت تقدّم على الشاشة الكويتية في فترة ازدهار الدراما المحلية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
لكن في الحقيقة، يفتح الغوص في تفاصيل هذه الرقابة باباً واسعاً لفهم التغيرات التي طرأت على المجتمع الكويتي وعلى حياته اليومية، سواء سياسياً أو ثقافياً. هكذا لا يمكن إغفال تأثير التيار الديني في البلاد على كل المحتوى الفني. إذ تمتّع هذا التيار بحضور قوي في معظم البرلمانات المُنتخبة عقب تحرير الكويت من غزو العراق، إلى جانب توسّع نشاطه الاجتماعي خارج أسوار المجلس. إذ غالباً ما يتصدّر رموزه المشهد عند المطالبة بإيقاف المسلسلات التي يعتبرونها "تتنافى مع الآداب العامة"، و"تسيء إلى المجتمع الكويتي"، وهو ما ساهم في السنوات الأخيرة بتوجيه وزراء الإعلام المتعاقبين إلى تشديد رقابة الوزارة على الأعمال التلفزيونية قبل منحها الإجازة، خشية من المساءلة السياسية التي قد تطاولهم في البرلمان.
وهرباً من مقص رقيب وزارة الإعلام، لوحظ توجّه لافت، خلال الأعوام الماضية، للعديد من الفنانين الكويتيين، سواء من كبار النجوم مثل حياة الفهد وسعاد عبد الله، أو حتى من الشباب الصاعدين مثل عبد العزيز النصار وخالد المظفر، إلى المشاركة في أعمال خليجية أو من إنتاج خليجي على حساب الأعمال الكويتية، وكذلك انتقال عدد من المنتجين والمخرجين الكويتيين إلى إنتاج أعمالهم كاملة، بما يشمل مواقع التصوير وخلافه، في دول الخليج الأخرى مثل البحرين والإمارات، ولاحقاً بيعها أو عرضها عبر قنوات أو منصات خليجية، أبرزها مجموعة MBC.
أما من لا يزال يعمل في الكويت من المنتجين فيضطر، تجنباً للخسائر المالية، إلى التماهي مع شروط وزارة الإعلام لإجازة النصوص، وحذف ما تطلبه الرقابة. وبذلك يضمن شراء العمل من قِبل تلفزيون دولة الكويت، كون الوزارة تُخصص ميزانية كبيرة خاصة للدورة البرامجية في شهر رمضان سنوياً، سواء كان العمل من إنتاج التلفزيون أو الشركات الخاصة.
مع ذلك، وعلى الرغم من عدم خضوع الأعمال المنتجة خارج الكويت إلى القوانين المحلية، إلا أن وزارة الإعلام تتجاوب مع أي تفاعل سلبي في مواقع التواصل الاجتماعي ضد الأعمال التي يشارك فيها كويتيون، فتارة تصدر بيانات شاجبة للعمل، وتارة أخرى تذهب أبعد متخذة إجراءات قانونية بحق الكويتيين المشاركين في المسلسل.
على سبيل المثال، أنتجت أخيراً "شاشا"، وهي منصة إنتاج كويتية تتخذ من لندن مقراً لها، عملاً بعنوان "السجين النصاب"، من إخراج محمد دحام الشمري، وبطولة عبد الله السيف، وشيماء سليمان، وشهاب جوهر، وأحمد النجار، وشوق الهادي. المسلسل مُقتبس من أحداث قصة واقعية، بطلها شاب استولى على 13 مليون دولار من ضحاياه، بعدما احتال على عدد من الأثرياء والسياسيين و"فاشنيستات"، وهو ما أثار غضب مغردين في "تويتر"، فاتهموا المسلسل بـ"الإساءة إلى المجتمع والنساء"، ما دعا وزارة الإعلام إلى إحالة طاقم العمل إلى النيابة العامة.
وأثار عرض منصة "شاهد" السعودية، مطلع الشهر الحالي، مسلسل "الجابرية الرحلة 422" استياء واسعاً أيضاً في مواقع التواصل، بسبب استخدام المسلسل ممثلين لأداء دور أمير الكويت حينها الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، ودور ولي عهده الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، ما اعتبروه "إساءة إلى رموز البلاد"، و"مساس بهيبة الدولة".
المسلسل يتناول حادثة اختطاف مسلحين طائرة الخطوط الجوية الكويتية عام 1988، القادمة من مطار بانكوك إلى الكويت، وكان على متنها 113 راكباً من بينهم الطاقم الجوي، واستمرت عملية الاختطاف نحو 16 يوماً، وارتبط وقتها اسم "حزب الله" بالعملية.
وتفاعلاً مع الجدل الواسع الذي أثاره المسلسل، أصدرت وزارة الإعلام بياناً عبّرت فيه عن استيائها مما جاء في المسلسل، ورفضها القاطع التطرق إلى "رموز الدولة ومواطنيها"، وأوضحت أنها عبرت عن الاستياء من العمل إلى "مختلف المسؤولين في الجهات المعنية"، مؤكدة ضرورة "إيقاف بثه على المنصة"، وذلك "عملاً بالموقف الخليجي والمواثيق المشتركة"، وبيّنت أنها بدأت بالإجراءات القانونية تجاه "طاقم العمل الكويتي المشارك في المسلسل".
يُذكر أنه شارك في المسلسل عدد من الفنانين الكويتيين، بينهم محمد العجيمي وفيصل العميري وخالد أمين.
لاحقاً، أصدرت الوزارة بياناً ثمّنت من خلاله تجاوب المسؤولين في منصة "شاهد" مع مطالباتها بإلغاء عرض مسلسل "الجابرية الرحلة 422"، واعتبرته "يعكس متانة العلاقات الخليجية المتأصلة وحجم التعاون والتفاهم بين المسؤولين القائمين على المؤسسات الإعلامية في دول الخليج".