الحجب الصيني يطاول التعبير

19 مارس 2021
حجبت تطبيقات شهيرة خلال الفترة الأخيرة (ميغيل مانديلا/Getty)
+ الخط -

لا يتوقّف الحجب الصيني عن حظر تطبيقات التعبير وحريّته، كما أنّه يطاول مؤسسات إعلاميّة، وكل ذلك، وفقاً لرؤية الحزب الشيوعي الحاكم التي لا تسمح بالانتقاد أو تنوّع الآراء أو حتى الاختلاف السياسي. وتفرض الصين رقابة مشددة على الفضاء السيبراني، ولا تتوانى عن فرض عقوبات على "التطبيقات المخالفة"، بغض النظر عما إذا كانت تشغل من داخل البلاد أو خارجها. 

في أحدث إجراء ضد تكنولوجيا أجنبية للتواصل الاجتماعي في الدولة التي تفرض الحكومة فيها قيوداً مشددة على تدفق المعلومات، يبدو أن تطبيق "سيغنال" للرسائل المشفرة قد حجب في البر الصيني. واعتباراً من الثلاثاء الماضي، تعيّن على مستخدمي التطبيق داخل الصين استخدام شبكة افتراضية خاصة تسمح لهم باختراق ما يطلق عليه "الحاجز الناري العظيم" للصين، وهو نظام مراقبة يحجب مواقع إلكترونية وخدمات وتطبيقات تعتبرها الحكومة الصينية غير مناسبة، حسب ما نقلته "أسوشييتد برس". وقال مستخدمون في الصين إن الرسائل فشلت في الوصول كما لم تتم المكالمات.

توسع الصين سيطرتها على الإنترنت وعلى تشكيل الرأي العام

خطوة حجب "سيغنال"، أحد التطبيقات القليلة المتبقية في الصين التي تسمح بالرسائل المشفرة بين المستخدمين، تأتي فيما توسع الصين سيطرتها لتشكيل الرأي العام وأحياناً السيطرة على المجال الخاص. وتحظر الصين تطبيقات التواصل الاجتماعي الغربية مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب"، وتفرض رقابة صارمة على الإنترنت المحلية، للتخلص من المحتوى الذي قد يؤثر سلباً على الحزب الشيوعي الحاكم. هذا فيما تحرص التطبيقات الصينية، وأبرزها "تيك توك"، على منح مستخدميها انطباعاً بأنها عالمية مثلها مثل باقي المنصات.

وفي فبراير/شباط الماضي، حجبت الصين المنصة الصوتية "كلوب هاوس" في البلاد بعد مشاركة مستخدمين صينيين في مناقشات صوتية حية لموضوعات اعتبرتها السلطات حساسة، بما فيها الاحتجاز الجماعي للإيغور والاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في هونغ كونغ ومفهوم استقلال تايوان. وتستخدم الصين نظام مراقبة واسع النطاق ومتطوراً لقطع شبكة الإنترنت عن المعارضين، ومنع المواطنين من الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر"، في ما يعرف بـ"جدار الحماية العظيم". لكن تطبيق "كلوب هاوس" تمكن من تخطي الرقابة لفترة وجيزة، وجذب عدداً كبيراً من مستخدمي الإنترنت الصينيين، لكنه سرعان ما وقع في شرك الرقابة. 

وفي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، أزالت السلطات الصينية 105 تطبيقات من متاجر التطبيقات في البلاد، بينها الأميركي "تريب أدفايزر"، في إطار حملة للتخلص من التطبيقات التي ترى أنها تنشر محتوى متعلقاً بالمواد الإباحية والبغاء والمقامرة والعنف. وأشارت "إدارة الفضاء الإلكتروني" إلى أن التطبيقات المحذوفة انتهكت واحداً أو أكثر من ثلاثة قوانين تنظم الإنترنت في البلاد، من دون تقديم أي تفاصيل إضافية، قائلةً إنّ ذلك جاء استجابة لردود فعل المواطنين الحادة على ما اعتبروه محتوى مسيئاً. وأكدت أنها ستواصل تنظيم التطبيقات وحذف تلك التي تنتهك القوانين.

ويطاول الإسكات والحظر مؤسسات إعلاميّة أيضاً، وهو ما حصل مع مؤسسات أميركية طُرد مراسلوها بسبب الخلافات السياسية مع الولايات المتحدة، كما استجواب واعتقال صحافيين أستراليين على خلفية الصراع مع أستراليا، ووصل الأمر إلى المملكة المتحدة أيضاً. ففي منتصف فبراير/شباط الماضي، حجبت الهيئة الناظمة للإعلام في الصين، بثّ "بي بي سي وورلد نيوز"، متهمة المحطة الإخبارية بخرق التوجيهات المحددة لوسائل الإعلام في البلاد، بعد بثها تقريراً مثيراً للجدل بشأن طريقة تعامل القوة الآسيوية مع أقلية الإيغور. وجاء القرار بعد أيام من إلغاء الهيئة الناظمة البريطانية رخصة شبكة "سي جي تي أن" الصينية، لخرقها القانون البريطاني في ما يتعلق بالملكية المدعومة من الدولة، ما أثار اتهامات غاضبة للندن بممارسة الرقابة.

ووفق "نادي المراسلين الأجانب في الصين"، فقد تدهور وضع وسائل الإعلام الأجنبية في الصين إلى حد كبير في 2020، وذلك للسنة الثالثة على التوالي. وطردت الصين أكثر من 18 صحافياً أجنبياً يعملون في صحف يومية أميركية مثل "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست"، خلال 2020. وهذه الخطوة تعد بمثابة إجراء انتقامي ضد الولايات المتحدة التي أجبرت عشرات المراسلين الصينيين على مغادرة الأراضي الأميركية العام الماضي. وأوضح النادي أنها "أكبر عملية طرد للصحافيين الأجانب، منذ أحداث تيان آن مين قبل أكثر من 30 عاما".

ولم تعد الصين تصدر لمراسلي وسائل الإعلام الأميركية بطاقات صحافية، وهي ضرورية للعمل في هذا البلد الآسيوي. كذلك، استمرت السلطات الصينية خلال 2020 في تطبيق إجراءات عقابية ضد الصحافيين الذين لا تكون راضية عن تغطيتهم الإعلامية، وفق ما نقلته "فرانس برس". وإضافة إلى ذلك، قلصت مدة البطاقات الصحافية الخاصة بـ13 مراسلاً على الأقل إلى ستة أشهر أو أقل، مقارنة بسنة واحدة عادة. ومن بين وسائل الإعلام المعنية "نيويورك تايمز" و"بي بي سي" و"لوموند" و"فويس أوف أميركا". ولم يساعد فيروس كورونا الذي ظهر في البلاد نهاية عام 2019، في تحسين الوضع. وأوضح النادي: "استخدمت الصين الوباء كوسيلة جديدة للسيطرة على الصحافيين".

المساهمون