الحاجز "الدرامي" ومساحة السلطة الاستثنائية في سورية
يمكن اختزال الحلقات العشر الأولى من مسلسل "كسر عضم"، للمخرجة رشا شربتجي، بأنها محاولة للسيطرة على الحاجز، أي النقطة العسكرية التي تضبط الحدود بين داخل سورية وخارجها، فالصراع، في العمل، يتمحور حول جزء فاسد من السلطة، يريد فتح الحواجز من أجل تهريب السلاح والمخدرات (كما نرى في أخبار المداهمات المتكررة التي تكشف تحوّل النظام السوري إلى كارتيل مخدرات)، وجزء آخر يريد ضبط الحواجز ومنع التهريب من داخل سورية.
يمتلك الحاجز في "كسر عضم" نفحة رومانسية شعبية، ضبطه و"الوقوف عليه"، حسب التعبير الشعبي، مهمة الجنود ذوي الرتب القليلة. هم آباء وأخوة وأبناء، يتحملون البرد والجوع لأجل حماية الوطن. هم محط مؤامرات السلطة الفاسدة التي تريد تعطيل وظيفتهم، وسطوة السلطة الرسمية التي تريد منهم بذل جهد أكبر. وهذا اللافت، فـ "زعيم" السلطة الفاسدة، الذي يؤدي دوره فايز قزق، لا يرتدي الزي العسكري، في حين أن المسؤول عن السلطة الرسمية، اللواء قصي (أيمن بهنسي)، يظهر دوماً بالزي العسكريّ.
يقدم هذا الحاجز "الدرامي" صورة متخيّلة مختلفة عن تلك الواقعية أو الموثقة، إذ نقرأ فيها كيف يُعتقل السوريون على الحواجز، ويتعرضون للتفتيش، ويتعرضون للابتزاز (دخولاً وخروجاً). فضلاً عن كوننا أمام حاجز حدودي في المسلسل، ومعروف في سورية من يضبط الحدود ومن يسمح بخروج الناس ودخولهم، سواء كنا نتحدث عن الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد أو حزب الله.
لكنّ الأمر مختلف في "كسر عضم"، إذ نرى كيف تعرض الحاجز لتفجير وسقط من "يقف عليه" إثر عملية داخلية، أي صراع داخل السلطة العسكرية في سورية، راح ضحيته عساكر لا دور لهم سوى تأدية وظيفتهم. ما هو جدير بالانتباه هنا أن من فجّر الحاجز ومن يريد السيطرة عليه من الداخل، أي من السلطة الفاسدة. هو حاجز يضبط ما "يخرج" من سورية، وليس ما يدخل إليها؛ أي المخدرات والأموال والسلاح، كلها تنتقل من الداخل إلى الخارج. لكن ليست هنا الأزمة... الأزمة تتمثل في من يتحكّم بالحاجز ومن يُخاطر بحياة من "يقف عليه".
تكشف إشكالية الحاجز عن متخيل تحاول السلطة الرسميّة تصديره للمواطنين. المشكلة الآن لم تعد في "جماعات إرهابية" تريد الانتقام من "النظام"، بل فاسدون وأشرار في "الداخل"، علاقات عائلية فاسدة تحاول تدمير البلاد. لكن السؤال، من يُدمّر حقيقة إذا كانت المخدرات "تخرج" من سورية، أي لا توزع في الداخل؟ ألا يعني ذلك أن المشكلة إقليمية أكثر منها محلية؟
عادة ما يمتلك الحاجز في سورية سلطات استثنائية، خصوصاً الحدودي منه، ذاك المسؤول عنه حسب التقارير الرسمية "الفرقة الرابعة" من الجيش السوري التابعة لماهر الأسد؛ المسؤول عن عمليات تجارة المخدرات في سورية. سلطات هذا الحاجز تتمثل في القدرة على الاعتقال، والإحالة إلى أفرع الأمن أو معتقلات سريّة، أو حتى القتل، هو مساحة شديدة الخطورة، يمتلك من "يقف عليه" سلطات استثنائيّة قد تخضع أحياناً للهوى، بالإضافة إلى أنّ "شراء" حاجز في سورية شأن لا يحتاج للكثير من التعقيد، وحكايات هروب الكثيرين من سورية تشهد على ذلك، لكن في المتخيل الذي يقدمه "كسر عضم" يظهر الحاجز كجزء من عملية تجارية، لا يتعامل مع الأفراد، بل مع البضائع؛ أي هو حلقة من سلسلة أكبر من الفساد أو كارتيل المخدرات الذي يُدار في سورية، والصراع عنده بدقة يلخّص في من يمتلك سلطة السماح بدخول أو خروج البضائع.
ترسم الحلقة العاشرة من المسلسل طبيعة السلطة حول الحاجز، أي محاولة الالتزام بالأوامر الرسمية ومنع التهريب، وتفتيش الشاحنات. أمر يمكن القيام به، عبر مبادرة فردية من ضابط استيقظ ضميره فجأة (سامر إسماعيل)، ويريد الانتقام من والده (فايز قزق)، هذا الانتقام تمثل في تسليم شحنة المخدرات وفضحها، لكن، لم الانتحار؟ لم انتحرت الشخصية التي أدّاها سامر إسماعيل؟
يمكن القول إن هناك رسالة ضمنية في فعل الانتحار. تحقيق العدالة، أو على الأقل تطبيق القانون في سورية، شأن شديد الخطورة، والانتحار هو حلّ لتفادي تبعيات الالتزام بالأوامر الرسميّة، أي حتى لو حاول أحدهم من الدولة الفاسدة إصلاح الأمر، عليه أن يقدم حياته كقربان، أي ببساطة قيام الجيش بمهمته المتمثلة بضبط الحدود يعني الموت، بسبب وجود سلطة "أعلى"، لا تخضع للأوامر الرسميّة، وقادرة على تنفيذ ما تريده. أما الفئات والعناصر الأدنى، فالموت مصيرهم، إما ضمن الاشتباك، أو ضمن صحوة الضمير. بكلمات أخرى، حتى لو قررت المؤسسة العسكرية تبنّي "التغيير" في سورية، هي عاجزة أمام سلطة أعلى، لا نعرف بالضبط المنصب الذي تشغله، لكنها تتحكم بالحيوات والمخدرات والحواجز.