التشابه الطبقي: علاقة عدم المساواة بالاستقطاب والحركات اليمينية

04 يناير 2021
يتّحد أبناء الطبقات المتشابهة (كياتانان سوغسومبيان/مومنت)
+ الخط -

قد يتسبب التدهور الاقتصادي وتزايد عدم المساواة في الثروة، في دفع الناس إلى تركيز تفاعلاتهم الاجتماعية تجاه الآخرين الذين لديهم وجهات نظر وخلفيات متشابهة، مما يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب وخلق مجتمعات منعزلة وهو ما يمكن أن يعزز ظهور التطرف السياسي، وفق دراسة جديدة. تشير النتائج التي نشرت أخيراً في مجلة "ساينس أدفانسز" إلى أن هذا الاستقطاب يمكن أن يكون معدياً، وقد تؤدي مجموعة سكانية فرعية تواجه صعوبات اقتصادية إلى استقطاب واسع النطاق، قد يتبين أنه لا مفر منه، حتى عندما تتحسن الظروف الاقتصادية.

قد توفر النتائج رؤى حول كيفية ظهور الحركات الشعبوية وغيرها من الحركات السياسية اليمينية المتطرفة، بما في ذلك في الولايات المتحدة، حيث أظهر الباحثون أن عدم المساواة والاستقطاب قد ارتبطا خلال الدورات الانتخابية الرئاسية الثلاث الأخيرة. بوسع شبكات الأمان الاجتماعي أن تمنع هذا الانزلاق نحو الاضطرابات السياسية من خلال منع انخفاض الدخل بدرجة كافية لإثارة سلوك استقطابي ومخاطر اجتماعية. ظهرت الحركات الشعبوية في بلدان مختلفة حول العالم، من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى الهند والبرازيل. بينما يحاول العلماء فهم جذور هذه الحركات الاستقطابية، التي تعزز الصراعات الاجتماعية، تتمحور معظم النقاشات حول الهوية الاجتماعية في مقابل تلك التي تركز على المخاوف الاقتصادية. 

التدهور الاقتصادي وتزايد عدم المساواة في الثروة يدفعان الناس إلى تركيز تفاعلاتهم الاجتماعية تجاه الآخرين الذين لديهم وجهات نظر وخلفيات متشابهة
 

لدراسة هذه المجموعات، طور الباحثون نموذجا للتفاعلات داخل المجموعة وخارجها في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة. 
كانت هناك بالفعل بيانات تظهر أن الاستقطاب السياسي وسياسات الهوية تميل إلى الزيادة والانحدار ــ وإن لم يكن دائما ــ مع عدم المساواة، لكن لم يعرف أحد السبب، رغم وجود بعض عمليات التغذية المعروفة مثل الاستحواذ التنظيمي بحيث يحصل الأشخاص الذين لديهم أموال على مزيد من التأثير السياسي عندما يكون لديهم المزيد من المال. 

"ما أنشأناه كان أول تفسير واضح لما قد يحدث، ثم استخدمنا محاكاة حاسوبية لاختبار ما إذا كان هذا التفسير متماسكا، واكتشفنا أنه أفضل مما كنا نظن. ثم قمنا باختباره بمزيد من البيانات" تقول الباحثة المشاركة في الدراسة جوانا بريسون وهي أستاذ الأخلاقيات والتكنولوجيا في مدرسة "هيرتي" للحوكمة في برلين. وتوضح في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن عدم المساواة يدفع الأشخاص المعرضين لمخاطر اقتصادية مثل خسارة المنزل أو العمل للجوء إلى من يشبهونهم أو ينتمون إليهم، فتكون احتمالات المساعدة هنا أكبر بكثير مما لو كنت في مجتمع متنوع.

الاستقطاب يمكن أن يكون معدياً

وأظهرت الدراسة أمرين آخرين مهمين للغاية: الأول هو أنه إذا كانت الأمور سيئة حقاً، لذا فأنت تعلم أن العمل مع الآخرين المشابهين لك لن يكون كافيًا، ويجب عليك العودة إلى العمل مع كل الأشخاص المتاحين مرة أخرى. وهذا ما يسمى "المقامرة من أجل الخلاص" ــ عندما تكون في ورطة حقيقية فقد تخاطر بشكل كبير، لأنك تعلم أنه لا يوجد خيار آخر ــ وفق بريسون.

يتعلق الأمر الآخر بالتخلص من الاستقطاب. قد تعتقد أنك إذا قللت من عدم المساواة أو حسنت رفاهية من هم أسوأ حالاً، فإن النموذج الذي طوّره الباحثون يوضح أن الاستقطاب يجب أن يزول. وستكون على حق، ولكن في أبسط الحالات فقط. 

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي مثال جيد كمكان متنوع للغاية وفي نفس الوقت يعاني سكانه من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وعدم المساواة

لكن في حالة جعل النموذج أكثر تعقيدا، فإن النتيجة ستكون أنه حتى لو تحسن الاقتصاد، لا يبدأ الناس في الوثوق ببعضهم البعض مرة أخرى. وغالبا ما يتطلب الأمر حدثاً كبيرًا لتذكير الناس بأنهم يقومون بعمل جيد وأنهم بحاجة إلى بعضهم البعض، على سبيل المثال حرب أو جائحة. وتتابع بريسون: "النقطة المهمة هي أنه إذا كان عدم المساواة يتزايد، فإن مؤسساتنا لن تعود بالفائدة علينا جميعاً، بل فقط على البعض منا. لذلك يجب أن تكون هذه الدراسة جرس إنذار للسياسيين وأولئك الذين يؤثرون عليهم. إذا كنت تريد مجتمعا مستقراً وصحياً، فيجب أن يكون هناك ما يكفي من إعادة توزيع الثروات وبناء المؤسسات للتأكد من أن الجميع يستفيدون. أي، يجب أن يدفع الأثرياء ضرائبهم، لا التهرب منها، ويجب على الأقوياء استخدام سلطتهم لضمان توزيع الفوائد بشكل جيد".

ووفق الباحثة، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي مثال جيد كمكان متنوع للغاية وفي نفس الوقت يعاني سكانه من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وعدم المساواة، ويواجه الناس صعوبة في العثور على وظائف وإعالة أسرهم، وهي ظروف تساعد على الاستقطاب. 

المساهمون