تُشكّل سياحة المآثر التاريخيّة وسيلة هامّة لتغذية واقع السياحة في المغرب. وأظهرت بعض الدراسات الوطنية مدى تعلّق السائح الأجنبي بتراث المغرب الأثريّ، وذلك بحكم الدور التاريخيّ والموقع الاستراتيجي للمغرب، والذي جعله عبر قرونٍ خلت محطّة بارزة في تاريخ البشرية. ورغم مظاهر تنميطٍ استشراقي يُبديها بعض السيّاح بخصوص المغرب، بلد الصحراء والأفاعي والسحر، إلا أنّ النظرة أضحت ضيّقة، بسبب دور هام لعبته السياحة المحلّية توعويّاً في التعريف بمُدن المغرب وتاريخه ومآثره التاريخيّة. صورةٌ تُزكّيها لقى أثريّة تعثر عليها بعثات فرنسيّة وأميركيّة تُؤكّد مكانة البلد في العالم القديم. وإذا كان التراث الأثريّ يغدو عند المغاربة مجرّد أطلال بائدة أمام فتن سياحية أخرى، فإنّ السائح الأجنبي يجد في هذا التراث ملاذاً آمناً ومدخلاً لفهم البلد وخصوصياته الفنيّة والجماليّة، فالسياحة المحلّية قائمة على الاستجمام في البحر والجبل والمقاهي وزيارة فضاءات معاصرة.
أمّا المآثر التاريخيّة فلا يزورها المغاربة باستثناء بعض طلبة يعدّون بحوثاً جامعية. ورغم أنّ قطاع التراث داخل وزارة الثقافة بالمغرب يُبدي اهتماماً كبيراً بالمآثر التاريخيّة عبر الترميم والعصرنة، إلا أنّ طرق الرؤية تبقى تقليدية على مستوى التعريف بهذه المآثر التاريخيّة والمَواقع الأثريّة، ما يُساهم وطنياً في تراجع السياحة الداخلية. والسبب كامنٌ في أنّ قطاع التراث (المادي واللامادي) يعيش في غيبوبة الماضي، بدل أنْ يكون مدنياً في تفكيره ورؤاه واختراقه للاجتماع المغربي، وذلك بجعل مُخطّطاته تقتحم العالم البصريّ عبر صُورٍ وفيديوهات ولقاءات مُصوّرة تُعرّف بالتراث المعماري، عوض أنْ يظلّ النشاط الإداري التقريري سمة غالبة على اجتهاداتها دون النزول إلى الميدان. وبغياب دور المتاحف المغربيّة على مستوى التوعية بالتراث المادي، فإنّ الهوّة تزداد سنة بعد أخرى في علاقة المَغاربة بتراثهم الأثريّ.
ينقسم التراث الأثريّ المغربي إلى قسمين: الأوّل داخلي، حيث يكون السائح مُضطراً لدفع بعض المال لزيارة بعض المآثر السلطانية الرسمية. وهذا النوع يحظى دوماً باهتمام السُلطة ومؤسّساتها وقطاعها السياحي، بحكم أنّه يُوفّر يداً عاملة وموظفين يهتمون بنظافة الموقع والتعريف به تاريخياً وفنيّاً. أما النوع الثاني (الخارجي)، فهو مًتاح للعموم وبالمجان ويستطيع أيّ سائحٍ زيارته والتجوّل بين ردهاته وفضاءاته. لكن مع ذلك، فالتراث الأثريّ يلعب دوراً غير مُباشر في رفع مداخيل القطاع السياحي، بسبب الأماكن الأخرى الموجودة بجوار المآثر التاريخيّة من مقاهٍ ومطاعم وساحات تنتعش اقتصادياً بهذه المآثر، كما هو الأمر في مدينة مراكش، حيث تضرّرت هذه الأماكن المحاذية لساحة "جامع الفنا" بسبب تفاقم الحجر. لكن المآثر الرسميّة لن تتضرّر رغم ما طاولها من إغلاق، مقارنة مع الأخرى التي تُعاني في صمتٍ منذ عام ونصف العام بمجهود حكومي هزيل في التصدّي لهذا الموت المُعلن الذي تعيشه السياحة المحلّية.
تخميناتٌ كثيرة ومَشاريع مُسطّرة منذ عام ونصف العام، سرعان ما تُجهض أمام شبح كورونا المُباغت من حيث لا ندري للأجساد والاجتماع والاقتصاد، ما أثّر سلباً على واقع القطاع السياحي. فقد سجّلت بعض الدراسات والتقارير انخفاضاً مهولاً للدخل السياحي وتحويل العملة الصعبة من الخارج.
وعرفت سنة 2019 دخول حوالي 12 مليون سائح مقارنة بـ 2020 التي عرفت حوالي 2 مليون سائح، أيْ بنسبة اقتربت من 100 بالمائة، وما رافقها هشاشة بالنسبة للعاملين بالقطاع السياحي المغربي، هذا فضلاً عن هشاشة وانحسار دخول مغاربة الخارج، ما جعل القطاع يتضرّر أكثر. ورغم أنّ الدولة حاولت الاهتمام بالسياحة المحلية لحظة انفراج الأزمة وانخفاض عدد حالات إصابات كوفيد 19، إلا أنّ الخطّة بدت عاجزة وغير ناجعة في المُراهنة على السياحة الوطنية المُتأثّرة أكثر من الخارجية بسبب اقتصار هذه السياحة على مناطق بعينها وأقرب إلى بيوت الناس وغالباً تجاه البحر الذي لم تحتل الدولة بعد مرافقه العمومية.