تتعرض صحافيات عراقيات لمضايقات وتحرش جنسي خلال أدائهن عملهن، سواء داخل مقرات المؤسسات الإعلامية أو في الجولات الميدانية. ومعظمهن يتكتمن على ما يواجهنه، ولا يقدمن شكوى رسمية ضد الفاعلين تجنباً لـ"معركة خاسرة".
وتضطر بعض الصحافيات إلى التخلي عن هذه المهنة نهائياً والتوجه نحو مجالات أخرى، بعد تمادي المتحرشين والمبتزين. ومن بين نحو 400 ضحية من العاملين في الوسط الصحافي قتلوا في العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، فإن 30 صحافية عراقية قتلن خلال العمليات العسكرية والإرهابية خلال الفترة نفسها.
في الوقت نفسه، أثبتت الكثير من الصحافيات العراقيات قدراتهن عبر إنجاز قصص وتحقيقات صحافية مهمة، خاصة التقارير التي تتطرق إلى قضايا الفساد المالي والمجتمعي والتمييز وقضايا حقوق الإنسان. كما تولى عدد منهن رئاسة تحرير صحف يومية ومجلات دورية. وبرزت الكثير من الأسماء الصحافية منهن خلال موجة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في الربع الأخير من عام 2019 واستمرت لأكثر من 14 شهراً.
ووفقاً لدراسة بحثية أجراها "منتدى الإعلاميات العراقيات" العام الماضي، فإن 68 في المائة من الصحافيات تعرضنَ للتحرش خلال العمل، ولم تبلغ النسبة الكبرى منهن عن المتحرش. وأشارت الدراسة إلى أن التحرش والمساومة والابتزاز والإغراء من أبرز التحديات التي تواجه الصحافيات العراقيات.
في السياق نفسه، قالت صحافيتان عراقيتان من بغداد، لـ "العربي الجديد"، إنهما تعرضتا لمضايقات بأشكال مختلفة، منها ما أخذ طابع الإغراء برفع قيمة المرتبات، ومنها ما أخذ طابع التهديد بالإقالة، ومنها ما كان من قبل زملاء في العمل. وأشارت إحدى الصحافيات إلى أنها "تعرضت للتحرش اللفظي من قبل مديرها في العمل وزميل لها"، مبينة أنها "تعاملت مع التحرش بطريقة مرنة، ولم تدفع الحدث إلى التطور كي لا تخسر وظيفتها أو تواجه النظرة المجتمعية القاسية". وبيَّنت الأخرى لـ "العربي الجديد"، وهي تعمل في المجال منذ 7 سنوات، أنها "حين دخلت إلى الوسط الصحافي متدربة على تحرير الأخبار تعرضت للتحرش من قبل زميل يكبرها بالسن بنحو 15 عاماً"، موضحة أن "زميلها طلب منها التقرب منه، وحاول أن يمسك يدها في أكثر من مرة، وحين رفضت ذلك، أحالها إلى زميل آخر ولم يواصل تدريبها".
ولفتت الصحافية العراقية ورود مصطفى إلى أن "جزءاً غير قليل من حالات التحرش الذي تتعرض له الصحافيات يكون داخل المؤسسة الإعلامية نفسها وليس فقط أثناء تأدية الواجب الصحافي الميداني، وعادةً ما يكون من قبل أشخاص أعلى سلطة في المؤسسة الإعلامية". وأضافت لـ "العربي الجديد" أن "هناك جملة من الأسباب تمنع الصحافيات من الإبلاغ عن حالات التحرش". وأوضحت أن "من بين الأسباب الخوف من خسارة المعركة مع المتحرش، خاصة أن المتحرشين عادة يستخدمون أسلوب الفضيحة وتلفيق أحداث وقصص لتشويه سمعة الضحايا، إضافة إلى احتمال الفصل من الوظيفة، أو الطرد، أو خفض الراتب".
ووافقتها الناشطة والعضوة في فريق "أوان" للتوعية والتنمية في بغداد، نور مظفر. وقالت مظفر إن "صحافيات كثيرات تعرضن للتحرش بأشكاله المختلفة، لكن معظمهن امتنعن عن الإبلاغ خوفاً من تشويه السمعة أو فقدان العمل". ولفتت، في اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أن "بعض الصحافيات يتخوفن من آلية تطبيق القانون على المتحرشين". وأكدت مظفر أن "منظمة "أوان"، إلى جانب منظمات مدنية وتطوعية أخرى، تعمل دائماً على توعية الصحافيات بأهمية الإبلاغ عن أي حالة تحرش وتوثيقها، من أجل سلامة الصحافيات من جهة، وإدانة المتحرشين وفق القانون من جهة ثانية. وفي إطار هذه الجهود، صدر خلال الفترة الماضية عن المنظمة كُتيب حمل عنوان "دليل إرشادي لمناهضة التحرش الجنسي في المؤسسات الإعلامية".
وأشار عضو نقابة الصحافيين العراقيين علي المرشد إلى أن "القانون العراقي يحظر أي سلوك يؤدي إلى إنشاء بيئة عمل ترهيبية أو معادية أو مهينة، وضمنها التحرش أثناء العمل، ولدينا نصوص قانونية واضحة تجرم التحرش ضمن قانون العقوبات العراقية، لكن المشكلة التي تواجه معظم الصحافيات هي الخشية من التحدث". وأكد المرشد، لـ "العربي الجديد"، أن "الأجهزة القضائية متعاونة في مثل هذه المسائل، لكن عادة ما يتم تسوية المشكلة بين المتحرش والضحية عبر إجراءات أسرية وشخصية".
ورأى رئيس "المرصد العراقي للحريات الصحافية" هادي جلو مرعي أن "الصحافية هي الحلقة الأضعف عادة في المؤسسات الصحافية والإعلامية"، مبيناً في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أن "الأعوام الأخيرة شهدت تعرض إعلاميات عراقيات للتحرش وللمضايقات، ومنهن من فضلن الاستقالة، فيما طُردت بعضهن من المؤسسات لعدم القبول والخضوع". وأضاف أن "هناك حاجة إلى تقوية الصحافيين والصحافيات عبر القانون، وحمايتهم وحماية أرزاقهم، لا سيما أن المرصد سجل حالات استقالة لصحافيات رفضن الخضوع للتحرش الجنسي، واضطر بعضهن إلى الجلوس في المنزل، وهن حالياً بلا عمل"، مؤكداً على "أهمية أن تتدخل نقابة الصحافيين واللجان البرلمانية والحكومة في إنهاء هذه الظاهرة داخل المؤسسات الصحافية".