الباقر جعفر: طرح الأسئلة على الجمهور لا يهدف لإجابات

06 فبراير 2022
في الدورة الأولى لـ"مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي" (إيمون إم. ماكورميك/Getty)
+ الخط -

الباقر جعفر مخرج عراقي درس صناعة الأفلام في "المركز العراقي للفيلم المستقلّ" في بغداد عام 2009. شارك في ورش عمل لصناعة الأفلام في بغداد وخارجها. درس كتابة السيناريو والإخراج والمونتاج وإدارة الإنتاج، قبل إخراجه أفلاماً عدّة، منها: "رفعة علم" و"غربة الغجر"، والفيلم التجريبي "عدسة 50 ملم"، و"الفرقة"، أول وثائقي له، عن فرقة موسيقية تعزف في العراق، وخاصة في البصرة، الخاضعة لتطرّف ديني يمنع الموسيقى. فيه، يتحدّث جعفر عن جيل جديد يحاول إسعاد الناس، وجيل قديم استسلم لمدّ التطرّف. فيلمه الأخير "خذني إلى السينما" شارك في الدورة الأولى (6 ـ 15 ديسمبر/كانون الأول 2021) لـ"مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي" في جدّة، بعد مشاركته في مهرجانات أخرى. أحداثه مُصوّرة في بغداد والأهوار وجبال كردستان. بمناسبة جديده هذا، التقته "العربي الجديد":
ما سبب اختيارك هذا الموضوع في "خذني إلى السينما"؟

لم أختر صناعة هذا الفيلم. قرأتُ رواية "خضر قد والعصر الزيتوني" للروائي العراقي نصيف فلك التي قادتني إلى تحقيق فيلمٍ عن كاتبها، وعن بغداد. في النهاية، امتلأ الفيلم بالذكريات والصُوَر والحكايات التي نعيشها في العراق. هناك تفاصيل حياة الروائي أيام الحرب العراقية ـ الإيرانية، وهو كان هارباً من السلطة التي أغرقت العراق في حروب عبثية كثيرة.

لماذا استغرق العمل على الفيلم هذه الأعوام كلّها؟
استغرق العمل عليه منذ بداية التصوير عام 2018 حتّى عرضه نهاية عام 2021، لأسباب كثيرة تتعلّق بالإنتاج السينمائي في العراق ومشاكله، وانعدام البنية التحتية لصناعة السينما، وغياب دعمها. أخذت وقتي في محاولة اكتشاف الأحداث، ومعرفة إلى أين ستصل بي هذه الرحلة التي يقودها نصيف فلك وروايته وذكريات الحرب.

الفيلم تداخلٌ بين شخصيتك وشخصية الروائي. هل كنت تطمح إلى سرد حكاية الروائي، أو حكايتك؟ ولماذا كانت السينما محوراً؟
منذ البداية، كنتُ مُتخوّفاً من أنْ يدفع الفيلم باتّجاه حكاية الشخصية، أو أنْ أكون أنا بطل الحكاية، في اللاوعي. أي أنْ يسرد الفيلم حكايتي، لأنّ نصيف فلك هو البطل الحقيقي في الفيلم وخارجه. هو من لديه حلم السينما التي تُشكِّل جزءاً من مغامرات البطل. دخول شخصيتي كصانع أفلام أداةٌ لدخول عالم نصيف فلك. الأسئلة وجدت طريقها بهذا الشكل. تناوبنا على الحضور، فلك وأنا، لإنضاج الفكرة.

هل اختيارك أماكن التصوير جزءٌ من هذه المعاناة، باعتبارها أماكن تجمع المُهمّشين والفقراء؟
هناك أماكن ظهرت في الفيلم ليس بسبب اختياري لها، بل لأنّها فرضت عليّ أنْ تكون جزءاً من الصُور التي تقدّم بغداد. الجسور الممتدّة على نهر دجلة، بين الكرخ والرصافة، صورة أساسية من بغداد التي أعرفها. كانت صدفة. الأماكن التي يُسمح التصوير فيها، والتي مرّ بها يومياً كصانع للفيلم. هناك مشاهد اكتُشفت قبل التصوير، فكان علينا الحصول على موافقة للتصوير فيها.

يطرح "خذني إلى السينما" أسئلة عدّة عن طريقكما، فلك وأنت. أين الأجوبة برأيك؟
أعتقد أن طرح الأسئلة على الجمهور لا يهدف إلى إجابات، بل لنقلها إليه، والجمهور يبحث عن إجابات. هذه أسئلة تدور في رؤوسنا، وأعتقد أنْ علينا الاستماع إليها وتأمّلها. هناك أسئلة مطروحة في الفيلم نفسه، عبر أبطاله.

قلّما عالجت أفلام الشباب موضوع الحرب، لكنْ ليس بالشكل الذي عالجته أنت. أعني طريقتهم في الطرح المباشر له. هل لأنّ الحرب ألقت بظلالها على كل شيء؟
عشنا مع الحرب كثيراً، وصرنا نعرفها جيداً. لا أرى ضيراً في تناولها بشكل سطحي. هذا الشكل غريب على العراقيين، وهذا ما سأفعله في المستقبل، لأنّ "الحرب ألقت بظلالها على كل شيء". قدّم شباب السينما العراقية، في أفلامهم، بعد عام 2003، أفلاماً ذات أفكار جديدة، عكست مأساة الحرب وتداعياتها. الأمر ليس بهذا التقيّد، أنْ تكون الحرب موضوع فيلم، أو آثارها المأسوية. ففي الأحوال كلّها، تضوّع السينمائيون برائحتها.

الدخول إلى "سينما غرناطة" بعد دمارها وإهمالها يذكّرني بدخول البطل في "سينما باراديزو"، سالفاتور دي فيتا، إلى صالة السينما، بعد 30 عاماً على خرابها. هل تأثّرت بهذا المشهد، أم أنّ الأمر مجرّد تناص لا أكثر؟
سؤال يدعو إلى التأمّل بشخصية نصيف. لكن، لا رغبة في أنْ يكون هناك تأثّر. لم يخطر هذا المشهد على بالي. يبدو أنّه تناص، لكنّه غير واع. صالاتنا السينمائية تضرّرت، وبعضها أُهْمِل بشكلٍ مُتعمّد. صالة "سينما باراديزو" تعرّضت للتخريب لأنّها قديمة، وللبطل ذكريات كثيرة معها. دخولي إلى "سينما غرناطة" كان للتذكير بما آلت إليه أحوال الصالات كلّها.

هل سيُعرض الفيلم تجارياً في العراق؟
أطمح إلى أنْ يُشاهده أكبر عدد من العراقيين. أتمنّى عرضه في الصالات القديمة والحديثة، المبنيّة في مجمّعات تجارية، وأنْ يُشاهده الناس، ويشاهدوا أفلاماً عراقية أخرى أيضاً. أنا بصدد التحضير لعرضه في إحدى الصالات القديمة في بغداد التي جرّبتها، والتي لا يزال بعضها قائماً. إنّها في طريقها إلى الزوال.

بعد نجاح هذا الفيلم، ما مشروعك المقبل؟
هناك أفكار كثيرة، لكنّي لم أفهمها بعد. ستكون رحلة مختلفة عمّا سبقها، أو هذا ما أتمنّاه على الأقلّ. أعمل قدر المستطاع على أفكار جديدة لأفلامٍ تتجاوز ما صنعته سابقاً. لكنْ، حتى الآن، لم تتبلور فكرة معيّنة.

ماذا تقول عن المشهد السينمائي العراقي؟
يُحزنني جداً أنْ تعاني السينما العراقية بسبب أبسط مقوّمات نجاحها. هناك أفلام كثيرة لعراقيين أفتخر بها كمخرج عراقي. لولا إصرار الزملاء على محاولاتهم في صُنع الأفلام، رغم الظروف الإنتاجية غير المؤاتية، لما تمكّنت من صنع فيلمٍ واحد.

المساهمون