استمع إلى الملخص
- **تأثير النجوم على الانتخابات السابقة**: دعم النجوم للمرشحين ليس جديدًا، كما فعلت باربرا سترايساند مع هيلاري كلينتون في 2016، مما يعكس الهوى الليبرالي بين نجوم الموسيقى والترفيه.
- **تأثير النجوم على السياسة الأميركية**: رغم الشعبية الكبيرة للنجوم، فإن تأثيرهم على نتائج الانتخابات يبقى محدودًا، وفقًا لدراسة من جامعة هارفرد.
عاصفة سياسية تلوح في سماء الانتخابات الأميركية بعد ساعات على بث قناة "إي بي سي" المناظرة الأولى بين مرشّحي الحزبين المتنافسين على منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، الديمقراطيّة الشاغلة الحالية منصبَ نائب الرئيس كامالا هاريس، والجمهوري الرئيس الأسبق دونالد ترامب.
فقد بات من المرجّح أن تتوجه جحافل الملقبين "سويفتيز" (Swifties) إلى صناديق الاقتراع فجر الخميس، الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من أجل التصويت لصالح تذكرة الديمقراطيين، اقتداءاً بمعبودتهم، نجمة البوب من ولاية بنسلفانيا، المغنية تايلور سويفت.
كانت سويفت قد حسمت أمر الإدلاء بصوتها لكلٍّ من هاريس ومن اختارته لشغل منصب نائب الرئيس، النائب الديمقراطي حاكم ولاية مينيسوتا تيم والتس، وذلك عبر منشور على "إنستغرام"، فيه صورتها وهي تعانق قطّتها مُرفقةً بنصّ الإعلان الذي يُشيد بالمرشحة الديمقراطية بأنها "تحارب من أجل الحقوق والقضايا التي أؤمن بها".
على الرغم من الإشارة إلى أن قرارات مُحبّيها يجب أن تكون بفعل خياراتهم، خصوصاً بالنسبة إلى أولئك ممن سيصوتون للمرة الأولى في حياتهم، فإنه من المتوقع أن يُحدث إعلانها استجابة لدى الأكثر ولاءً والأصغر سنّاً ضمن قاعدة المعجبين، التي شكّلت نسبة 53% من البالغين في الولايات المتحدة، بحسب تقديرٍ لمجلة فوربس الأميركية نُشر شهر مارس/آذار العام الماضي.
يأتي إعلان سويفت عن تأييد هاريس دعماً لامرأةً تتبنّى أجندة ليبرالية صدىً لما حدث عام 2016. حينئذ، أعلنت نجمة الترفيه الأميركية المغنية والممثلة باربرا سترايساند (Barbra Streisand) تأييدها هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية، التي انتهت بها، لأجل المفارقة، إلى نزال نهائي مع المُرشّح الجمهوري الحالي دونالد ترامب نفسه، حُسم بفوزه.
في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، أطلقت حملة جمع تبرّعات لصالح حملة كلينتون بين أوساط المثليين والعابرين جنسيّاً (LGBTQ) ولأجلها أحيت حفلاً فنيّاً واجتماعياً وسطَ مدينة نيويورك، دُعي إليه، إضافةً إلى كلينتون، أسماءٌ لامعة من دنيا الترفيه والأزياء النيويوركية والهوليوودية.
في هذا الحفل، أعادت سترايساند تأدية أغنية "ابعث بالمهرجين" (Send in The Clowns) التي كتبها ستيفن سوندهايم جزءاً من مسرحيته الغنائية "ليلة موسيقية صغيرة" (Little Musical Night). إلا أنه جرى تبديل الكلمات، لتتحّول إلى أغنية ساخرة تنال من ترامب، كما بُدِّل العنوان أيضاً، ليُصبح "من يريد ذاك المهرج" (Who Needs This Clown).
غالباً ما طغى الهوى الليبرالي على التموضعات الانتخابية لنجوم الموسيقى والترفيه الأميركيين. يأتي ذلك بحكم البيئة الثقافية والاجتماعية، وبالتالي المناخات السياسية السائدة بين أوساط العاملين في مؤسسة الصناعة الفنية المتمركزة بمعظمها في كل من نيويورك ولوس أنجليس، إذ تعدّان من بين أكثر المدن الأميركية "زرقةً"، وهو اللون الرامز للحزب الديمقراطي.
أما الحزب الجمهوري على مرّ تاريخه الحديث، فقد كسب نجوماً إلى العضوية الحزبية دافعاً بعضهم نحو الزعامة السياسية. اثنانِ نجحا في بلوغ السدّة الرئاسيّة والإقامة في البيت الأبيض، هما الممثل الأميركي رونالد ريغان ودونالد ترامب، الذي عُرف جماهيرياً من خلاله ظهوره ضمن عروض "تلفزيون الواقع" (Reality TV).
ثمة أيضاً الممثل وبطل كمال الأجسام السابق آرنولد شوارتزنغر، الذي مال في زمنٍ مبكّر من سيرته المهنية جهة اليسار السائد في مجتمع هوليوود، ومن ثم أصبح يمينيّاً ليُنتُخب حاكماً جمهوريّاً لولاية كاليفورنيا، لفترةَ ما بين عاميّ 2003 و2011.
ومن النجوم من خيّب الحزب الديمقراطي آمالهم، فثأروا لأنفسهم بأن لحقوا بركاب الجمهوريين. كان المغنّي والممثل فرانك سيناترا من أشد الناشطين ضمن حملة المرشح الديمقراطي فرانكلين روزفلت، الذي أصبح الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة، بعد فوزه بفترة رئاسية ثانية، سنة 1944.
ثم من أجل حملة المرشّح الديمقراطي جون كينيدي سنة 1960، حوّل أغنيته "آمال كبيرة" (High Hopes) إلى نشيدٍ انتخابي، كما أُسنِد إليه دورٌ بارزٌ في تنظيم حفل تنصيب كينيدي إثر فوزه. إلا أن الأخير نأى بنفسه عن النجم الأميركي الإيطالي، بعد أن ثارت الشبهات حول علاقته بجماعات الجريمة المنظمة في نيويورك ونيوجيرسي، ما حدا بسيناترا إلى أن يتحول إلى دعم الجمهوريين وعلى رأسهم ريغان سنة 1980.
تحوّل مشابه ألمّ بالمغني أسود البشرة سامي ديفيز الابن (Sammy Davis Jr) الذي ظلّ من أشد الداعمين لجون كينيدي، إلى حين استبعدته كوادر الحزب الديمقراطي عن حضور حفل تنصيب الرئيس المنتخب سنة 1961 بدعوى زواجه من امرأة بيضاء. إثر ذلك، توجّه ديفيز إلى دعم الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، ما جلب عليه، من حيث لم يتوقع، مآل نقمة أبناء جلدته من الأفارقة الأميركيين.
على الرغم من الشعبية الجماهيرية التي يحظى بها نجوم الغناء، وبالتالي قدرتهم على توجيه قطاعاتٍ واسعة من الرأي العام، عبر تواصلهم بمستمعيهم ومعجبيهم ونشاطهم في الفضاء العام والإنترنت، فإن تأثير أيٍّ منهم على السباق الرئاسي يبقى ضئيلاً ومحدوداً، أو غير قابل للقياس في أفضل حال. ذلك بحسب دراسة في هذا الشأن أعدّتها جامعة هارفرد الأميركية هذا العام.
بل إن التموضع الحزبي أو الانتخابي غالباً ما يساعد الفنان ويزيد من حظوته لدى أصحاب السلطة والمال، أكثر من أن يساعد أيّاً من المتنافسين على الفوز بالرئاسة. من هنا، فإن القرار الذي اتخذه نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني وابنته النائبة الجمهورية ليز بإدارة ظهرهما إلى مرشّح حزبهما ترامب متوجّهين إلى تأييد مرشحة خصومهم السياسيين هاريس، إذا ما قورن بالعاصفة التي تلوح جرّاء منشور تايلور سويفت على "إنستغرام"، سيبقى بمثابة الإعصار.